كلمة السيد عميد الكلية، رئيس المهرجان، د. رشيد الحضري، بمناسبة الندوة الصحفية تقديما للمهرجان ولمشروع رئيسه
بلغَ المهرجانُ الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، الذي تنظمه كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، دورته الخامسة والثلاثين، وهو بذلك يضمن استمراريَتَهُ وريادَتَهُ. ولعلَّ قراءةً أوليَّةً لهذا المسار، تُفيدُ الاستمرارية، والمثابرة، والإصرار، ولكنها تُفيدُ، بشكلٍ دقيقٍ، النجاحَ المتواصلَ لهذا الحدث الثقافيِّ والفنيِّ العالميِّ.
إنَّ أيَّ مهرجانٍ محليٍّ أو عالميٍّ لا يستطيعُ أن يضمنَ نجاحَ دوراته واستمرارَها، يفقدُ مصداقيتَهُ ومشروعيتَهُ الثقافيَّةَ والفنيَّةَ. لكنَّ المهرجانَ الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء ليس من طينةِ هذه المهرجانات المترددة في اختياراتها الثقافية والفنية والجمالية، بل على نقيض ذلك، لم يخطئ مهرجاننا الموعدَ، منذ نشأته، ليس، فقط، على مستوى استمرارية دوراته، بشكلٍ متواصلٍ، ولكن على مستوى الجودةِ الفنيَّةِ والتنظيميَّةِ والتدبيريَّةِ، متجاوزاً كل العقبات التي يمكنها أن تحدَّ من أفقِهِ العلميِّ الجادِّ وإشعاعِهِ الفنيِّ والثقافيِّ والإنسانيِّ العالميِّ الملتزمِ.
لقد شكلت فترة جائحة كوفيد 19 دليلا واضحاً على هذا المسارِ الناجحِ في المحافظة على مكتسبات المهرجان، وفي السعيِ إلى بناء آفاق جديدةٍ للممارسةِ المسرحيَّةِ الجامعيَّةِ..لقد مكنتنا الجائحةُ، رغم قسوتها الإنسانيةِ، من استثمار إمكانات جديدة في تجربة المسرح الجامعيِّ، ومن اختبار قدرته على مقاومة الطوارئ بمختلف تجلياتها الصحية والمادية والعلمية والإنسانية؛ إذ استطعنا تحقيق انتقالٍ سلسٍ من تنظيم مهرجانٍ مباشرٍ إلى تنظيم مهرجانٍ افتراضيٍّ يستند إلى مختلف الوسائط الرقمية الممكنة لتحقيق المتعة والفائدة المسرحية.
هكذا، ظلت جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء تشجع هذا المهرجان الدولي إيمانا منها بأدواره الطلائعية في تناغمٍ وتوافقٍ مع المهام البيداغوجية والعلمية والثقافية، ومع مشاريع الانفتاح والتواصل والحوار بين جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ومختلف المؤسسات من مختلف بقاع العالم.
قررنا في الدورة الخامسةِ والثلاثين أن تنصبَّ انشغالاتُنا الثقافية والفنية والعلمية حول التفكيرِ في الموجات والتجارب الجديدة للمسرح، وفي علاقاتها المتنوعة بالعوالم الافتراضية، وبذلك وقع الاختيار على موضوعة « المسرح والعوالم الافتراضية ». وفق هذا التصوُّرِ، افترضنا بعض التدليلات الأساسية، ومنها أن العالمَ الافتراضيَّ عالمٌ اصطناعيٌّ، قد خلقته المنظومة المعلوماتية الدقيقةُ الصُّنْعِ، والتي يمكنها إيواء مجموعة من المتدخلين الذين يمكنهم التفاعل والتجاوب بسرعة وفاعلية .
ومن ناحية أخرى، فإن العالمَ الافتراضيَّ فضاءٌ رقميٌّ يتفاعلُ داخله متدخلون متنوعون، وهم يستكشفون بيئات رقمية، ويساهمون في أنشطة مختلفة، مثل اللعب، والتجارة، والتواصل، والتربية، والفن والترفيه بمختلف مستوياته.
إن الحقيقةَ الافتراضيَّةَ بإمكانها أن تضمنَ معايشةَ تجربةٍ غامرةٍ ومدهشةٍ، وأن تمكنَ من القيام بأنشطة حسية، وإنجاز مهام قيادية في عالم اصطناعي. لذا، فإن الأسئلة التي يجب أن نطرحها في سياق هذه الدورة تتأطر وفق ما يلي:
هل يشكل الذكاء الاصطناعي خطرًا على المسرح والممارسة المسرحية أم بإمكانه أن يشكل عاملَ تطويرٍ لهذه الممارسة وتنميةٍ لها؟ وفقَ أيِّ مقياسٍ يمكن للمقاربةِ الافتراضية أن تمارسَ فعلياً في المسرح بمعناه الكلاسيكي المتعارف عليه؟ هل يمكن للمسرح أن يسمح لنفسه بالخضوع لهذا النمط من المقاربة؟ هل يمكن للمسرح الحيِّ والمباشرِ الفعليِّ أن يُدْمِجَ في عناصره ومنظومته التكنولوجيات المهيمنة راهناً؟ ألسنا أمام ميلاد نمطٍ جديدٍ من المسرح الذي لا يمكنه إقصاء الآخر؟ وإن افترضنا قدرة المسرح على إدماج التكنولوجية الجديدة، فما مصير أنماط المسرح السابق؟ هل سيتقلص المسرح ويعيدُ تشكيلَ هويته الفنية والجمالية من جديدٍ؟ هل سنجد أنفسنا أمام مسرحٍ هجينٍ يتقاطعُ فيه المسرح الحيُّ بالمسرحِ الافتراضيِّ؟ وإن كان الأمر كذلك، فكيف ستكون التجربة الفنية الجمالية المسرحية في المستقبل؟
هذه بعض الأسئلة التي يمكن أن نطرحها في مختلف أنشطة هذه الدورةِ عروضاً وورشاتٍ نكوينيةً ولقاءاتٍ فكريةً، وهي الأسئلة التي ستظلُّ مفتوحةً دون توجيهٍ أو تحديدٍ مسبقٍ لأحكامٍ تامَّةٍ ونهائيَّةٍ بصددها.
أسئلةٌ مفتوحةٌ على النقاش والحوار وتبادل وجهات النظر بين كافة المهرجانيات والمهرجانيينَ، وعموم المهتمين بالمسرح الجامعيِّ.
وبـــعـد:
توشي هذه الورقة التقديمية والتأطيرية والتطلعية بأسئلة لها حلم الآتي للسيد العميد رئيس المهرجان ذ.رشيد الحضري أننا أمام استمرارية تشاركية وتفاعلية لمهرجان رسخ مساره وتجربته وإضافته النوعية في الشكل والمضمون وهو يمضي في رسالته ويؤسس لعد آخر يتطلع للاحتفاء بأربعة عقود حينما يصل المهرجان لأربعين سنة ويبلغ أشده، سيما والمهرجان ورغم عمره الإبداعي والجمالي والتواصلي الذي قطع أطورا تأصيلية وواكب تحولات يحافظ دوما على شبابيته من خلال المجالية التي تتعاقب عليه والمتمثلة في طلبة الجامعات عبر العالم والذين يعدون العروض المسرحية للمشاركة المهرجانية ويسلمون المشعل للأجيال المتعاقبة ويشكلون لجن التنظيم لهذا الحدث مما يؤكد الشعار التأسيسي للمهرجان « حوار الثقافات وتلاقح شبيبة العالم »؛ لذا نعتبر المهرجان مؤتمرا فنيا وثقافيا فوق العادة يرسخ الديبلوماسية الثقافية الموازية..