أمسية شعرية في افتتاح منزه مدرسة التهامي الحراق في قلب المدينة العتيقة لتطوان
شهدت مدينة تطوان، نهاية الأسبوع الماضي، افتتاح منزه مدرسة التهامي الحراق، في قلب المدينة العتيقة لتطوان، حيث شهد الحفل تنظيم أمسية شعرية أقامتها دار الشعر بتطوان، بمشاركة الشاعر كمال أخلاقي والشاعر خالد البيهي، مع عروض موسيقية لثنائي الأندلس.
ورحب الفنان التهامي الحراق بضيوف هذا المنزه، وهو عبارة عن شرفة كبيرة تطل على مدينة تطوان وعلى بحر مرتيل، معتبرا أن تشيد هذا المنزه حلم راوده منذ الطفولة، ليجعل منه اليوم فضاء ثقافيا مفتوحا في وجه المهتمين بالآداب والفنون، وموعدا للقاء بين مختلف التجارب الإبداعية. من جانبه، أكد مخلص الصغير، مدير دار الشعر بتطوان، أن انفتاح الدار على هذا الفضاء الشعري يأتي بهدف إشاعة الشعر والفنون في فضاءات المدينة العتيقة لتطوان، ومن أجل بث الروح في بيوتاتها ومعاهدها وأحيائها التي لا تزال شاهدة على تاريخ ثقافي وحضاري عريق. والشاهد عندنا، يقول المتحدث، هو « هذا الفضاء المنزه الذي شيده الفنان التهامي الحراق حفيد الشاعر الشيخ سيدي محمد الحراق، أحد أهم شعراء المغرب والعالم العربي في القرن الثامن عشر، وصاحب التائية الشهيرة: أتطلب ليلى وهي فيك تجلت/ وتحسبها غيرا وغيرك ليست… ومن ذا من العشاق يبلغ في الهوى/ مرامي فيها أو يحاول رتبتي. وأصبحت معشوقا وقد كنت عاشقا/ لأن ظهوري صار أعظم زلتي. وإن شئت أطوي الكون طيا وإن أشأ/ نشرت جميع الكائنات بنظرتي ». وأكد الصغير أن فكرة تأسيس هذا المنزه جاءت على غرار ما كان يفعله الشعراء الأندلسيون في القرون الماضية، ومنهم المعتمد بن عباد، الذي بنى منزها يطل على مدينته إشبيلة، كان يلجأ إليه ليكتب الشعر، ولا يزال هذا المنزه قائما في قلب العاصمة الأندلسية.
وانطلقت الأمسية الشعرية على إيقاع المعزوفات التي قدمها عازف القيثار العربي بن الأحمر، وهو بالمناسبة خريج المعهد الموسيقي لإشبيلية ومرسية، وبرفقته عازف القيثار أحمد الفقير، خريج المعهد الموسيقي بتطوان.
ووقف الشاعر كمال أخلاقي في هذا الفضاء التاريخي وقفة شعرية هذه المرة، وهو يردد:
أقف منذ سنوات في هذه الحديقة/ مرة قالوا عني: إنه شجرة /ومرة قالوا: هذا فأس حطاب ميت ./ أقف منذ سنوات في هذه الحديقة، تارة أقول لهم: أنا عش طائر يأكله النمل/ وتارة أقول: هي عضامي عليها يستريح العابرون من تعب الجهات .
ثم قرأ الشاعر خالد البيهي شذرات شعرية لامعة، ومنها: « كلُّ شعريَ/ أكتبهُ ماشياً/ ثمَّ ما بينَ حينٍ وآخرَ/ أقفزُ كَي أرْسُمَ القافيَة »، ويقول في شذرة أخرى: » ترْمِي الصِّنَّارَةَ فِي النَّهْرِ/ فَتَعْلَقُ فِي ثَوْبِكَ. تَنْزَعُهَا/ تَرْمِي ثَانِيَةً/ تَعْلَقُ فِي قَلْبِكَ ».
وعاد كمال أخلاقي ليقرأ قصائد أخرى، ومنها قصيدة أهداها للشاعر الراحل محس أخريف:
« ماذا دهاك أيها الضوء؟/ لقد انتظرت طويلا على ذلك الجسر/ والآن لم يعد ثمة جسر. / عبرت وأنهيت أعمالي باكرا كي أكون في لا مكاني الواحد والجوهري ./ ثم أن الوقت كله لا يكفي لرتق هذه الجروح: الظل بأغنيته و الخطوة بفجرها والصوت بصمته الشائك ».
أنا العابر/ غبار القمح على الجبين/ غربلة النهار على موجة حطمها الليل/ العصافير تعرفني وتنادي… أنا العابر/ الزمان في مكان آخر وأنا هنا/ أطحن ما تبقى من كلمات، رغم خوفي الشديد من أخطائي في النحو والإملاء/ أتوخى الحذر لأن البياض مرعب و شرس
أراه ينطلق كل صباح/ قطار الصخب انطلق/ يذهب ثم يعود/ أكياس الدقيق قليلة هذا العام/ يا أالله! سأنتظر الحصاد القادم/ زمن يمر/ ينظر و أنتظر/ أنتظر أن تدهسني طاحونة العمر وتلقي بغباري إلى النسيان ».
واختتم خالد البيهي هذه الأمسية الشعرية، بقصيدة « علَى الطًّريق »، ومنها:
عَلَى الطريقِ وأقلامي تُكَسِّرُني/ ظِلاًّ، ولاَ شمسَ في ممشَايَ تَتَّقِدُ. رأسي احـتمالاتُ مكتوبٍ وكاتبِهِ/ وما لدى البَسطِ لِي فيما بَسطتُ يدُ. كأنَّنِي قلتُ، لكِنِّي بلا شَفةٍ/ وَمَنْ تكلَّمَ بي في السِّرِ يبتعدُ. أنا الجميعُ إذِ الأشباحُ تَكتُبُني/ وإنْ تمعَّنتُ في الأشباحِ لاَ أحدُ. صَوتي زِحامٌ لِأصواتٍ فأين أنا/ فيما أقولُ ومَا حظِّي بما أجِدُ؟ أخافُ أن أدَّعي ما لي فأفضَحني/ بِي، أو يُنازِعني في النَّظْرةِ الرَّمدُ. على الطَّريقِ وحسْبي أننِي مطرٌ/ على الطريق وَظنِّي أنًّها تلد.