ظاهرة حراس السيارات مسؤولية من؟
محمد السميري
أصبحت ظاهرة حراس السيارات بجل المدن المغربية ، من الظواهر التي تقض مضجع العديد من المواطنين والمواطنات، المالكين للعربات الشخصية، فبمجرد ركن السيارة سواء بشارع عمومي ،او بأحد الأزقة، يظهر شخص يرتدي سترة صفراء، فيطلب منك أداء مبلغ مالي ،مقابل خدمة غير مقننة، وغير ذات أساس قانوني، وقد نتج عن فشو هذه الظاهرة العديد من المشاحنات والشجارت، بل ان تدخل رجال الأمن ،وتحرير محاضر بمراكز الشرطة، تؤكد لا قانونية هذا السلوك، الذي يدعي أصحابه أحقية كرائهم لهذه الأماكن من الجماعات المحلية ،أو من أشخاص مجهولين.
أمام هذا الوضع النشاز يطرح أكثر من سؤال ، حول من السؤول عن انتشار ظاهرة « حراس السيارات غير القانونيين » ؟
للجواب على هذا السؤال يقتضي الأمر، النظر الى الظاهرة في شموليتها، بدل النظر اليها كظاهرة معزولة ،عن سياقها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
يعرف الاقتصاد المغربي منذ عقود الى جانب الاقتصاد المهيكل ذو الصفة القانونية، اقتصادا غير مهيكل وغير رسمي، والذي سمح لجزء من الساكنة بالعيش على الهامش، خارج القواعد القانونية، وقد أدى هذا الخلل في البنية الاقتصادية، الى عجز كبير في الخزانة، التي حرمت من عائدات ضريبية مهمة، فهناك العديد من الأسواق العشوائية الغير مهيكلة، والتي أصبحت تنمو كالفطر، تحتل أماكن عمومية، تقدر أحيانا بالهكتارات بمدن كبيرة مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش وغيرها، والتي أصبحت مدينة داخل مدينة، والتي تنعدم فيها شروط السلامة والصحة والأمن، فمن حارس السيارات الذي يطلب بقشيشا بعد ركن السيارة، الى الفني الشاب الذي يفك شفرة هاتفك المحمول، الى حشد من الباعة المتجولين الذين يحتلون الشوارع والملك العمومي.
يمثل الاقتصاد غير الرسمي الغير مهيكل 14في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ،حسب الارقام الرسمية، و37 في المئة من العمالة غير الفلاحية، وهناك 1،5 مليون وحدة غير رسمية في التجارة المغربية.
فما هو موقف الدولة، وما هي الاجراءات التي تم اتخادها بهذا الصدد لمعالجة معضلة الاقتصاد غير المهيكل؟
تقف الدولة عاجزة ومكتوفة الأيدي، فالمشكل ذو بعد سياسي، قد يمس استقرار وأمن البلاد، اذا ما اتخذت قرارات غير حكيمة، فصورة المعزوزي الشاب التونسي حاضرة دائما في كل مرة يتم فيها اثارت مشكل الاقتصاد غير المهيكل، يظهر ذلك من خلال أحد تصريحات المأمون بوحود(1) حيث يقول بهذا الصدد « انه من السابق لأوانه بالنسبة لي أن أقدم لكم استراتيجية محددة، فنحن في طور التشاور والاستماع، وقد تم بالفعل اجراء عدد من الدراسات، وقد قمنا ببيانات تفصيلية حول هذا القطاع، فالمشكلة الحقيقية تبقى في التطبيق على ارض الواقع، ولهذا السبب نعمل في هذه القضية جنبا الى جنب مع وزارة الداخلية.(…. )اننا نرغب في تشجيع الناس على هيكلة انفسهم، فالقطاع غير المهيكل له تكلفة لا تذكر من حيث الفساد وغياب الضمان الاجتماعي والتمويل البنكي ».
يظهر من خلال التصريحات الرسمية ان الدولة لا تتوفر لحد الساعة على استراتيجة واضحة لحل معضلة القطاع غير المهيكل، فالمشكلة تجد عمقها في البنية الاقتصادية لبلد لم يحسم منذ استقلاله عن المستعمر في اختياراته الاقتصادية والاجتماعية،والتي ظلت منذ حكومة عبد الله إبراهيم تتراوح بين اقتصاد وطني واقتصاد لا وطني ،وبين فئة راكمت الثروات على حساب فئات عريضة من الشعب تعيش على الهامش فلا تجد امامها الا الاقتصاد الغير مهيكل ،وبين غياب دولة المؤسسات التي تكفل العيش الكريم والحق في الشغل والتطبيب والتمدرس.
يعيدنا هذا الى سؤال البداية ،حول حصر المسؤولية في أفراد معزولين، فالافراد هم جزء من شريحة او طبقة اجتماعية تحتاج الى طبقة سياسية تقوم بتشكيل وعيها في افق المطالبة بحقوقها المدنية والسياسية، لكن ما نراه اليوم هو لهاث هذه الطبقة السياسية وراء مصالحا الذاتية ،مستفيدة من الريع الاقتصادي ،ومشكلة بذلك عائقا امام أي تغيير حقيقي.
L’ économiste 1-حوار اجرته مع المأمون بوحود وهو وزير منتدب لدى وزير الصناعة والتجارة ومكلف بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والقطاع المنظم. بتاريخ 21 دجنبر 2013