طوفان الأقصى: الثوابت والمتغيرات
محمد السميري
أحدثت عملية طوفان الأقصى يوم سابع اكتوبر2023 خلخلة لمجموعة من الثوابت والمرجعيات البالية، بحيث أنها حدثت في توقيت بالغ الحساسية، والذي حول مسار القضية الفلسطينية من قضية أشرفت على الموت والنسيان، في ظل اختيار مجموعة من الانظمة العربية المنبطحة والمتواطئة لسياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني، الى الكشف عن زيف مقولة أسطورة دولة الكيان الصهيوني، وقوة جيشه الذي لا يقهر، اذا ما توافرت الإرادة والتخطيط المحكم. وسقطت أيضا مقولات حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني، التي ما فتئت أمريكا الى جانب الدول الغربية تصدع بها اسماعنا، منتهجة سياسة الكيل بمكيالين، مظهرة الصورة الحقيقية للغرب الاستعماري المنافق، ذو النظرة المعيارية ،الذي يرى في كل ما وراء حدوده ادنى قيمة وكرامة إنسانية.
ان صدى وحجم عملية طوفان الأقصى وتداعياتها، مع ما عرفته من تبعات سقوط ضحايا مدنيين جلهم من الأطفال والنساء ،يستدعي أكثر من وقفة وسؤال حول الهدف والمغزى من هذه العملية، واستشراف منعكسات لم يخطط لها، وهذا يحيلنا لاستقراء احدى المحطات الفاصلة للمسار السياسي لمنظمة حماس (انتخابات2006 )،كحركة إسلامية تصدرت المشهد السياسي الفلسطيني عبر المشاركة في العملية الديمقراطية، بعد انتصارها البين والغير المتوقع حتى بالنسبة لها في انتخابات 2006، كتكتيك جنبها الوقوع في حملة ما سمي « مناهضة الإرهاب » التي اعلن بوش الابن الحرب ضدها تحت غطاء دمقرطة الشرق الأوسط، والتي كان من نتائج هذا الانتصار الانتخابي ،حيث وجدت الحركة نفسها في موقف لا تحسد عليه، مقاومة في موقع حكومة تحت سقف أوسلو. ينقلنا الاستقراء الأول الى استقراء ثاني لمحطة طوفان الأقصى، بموازاة مع انتخابات 2006 ،فهل كان هدف حماس من العملية هو اختطاف جنود إسرائيليين والعودة بهم الى قطاع غزة ،ومبادلتهم بآلاف الأسرى الفلسطينيين ودعم الأقصى. ان سهولة الاقتحام امام طموح العسكريين أغرى بتوسيع نطاق العملية العسكرية من دون احتساب كلفتها السياسية، وما قد يترتب عليها. وهذا ما يؤكد أن عملية طوفان الأقصى لم تتم بإيعاز من تخطيط خارجي كما تدعي بعض التحليلات المتسرعة و المتهافتة، التي تجعل من ايران قطب ومحور المقاومة، مع أن الأحداث تكشف بما لا يمكن تكذيبه، أن ايران ليست سوى تاجر مواقف انتهازي، هدفها إقامة مشروعها القومي الفارسي، وهذا ما تعكسه المجتمعات الرازحة تحت ولاية الفقيه كالعراق وسوريا ويمن الحوتي.
ختاما فيكفي لعملية طوفان الأقصى أن هزت أركان بعض الثوابت البالية، التي تم زرعها في ذهنية المواطن العربي، كسرديات أثبتت المقاومة زيفها وافولها، والتي حكمت المشهد العربي ردحا من الزمن. كما أبانت هذه العملية تقاطع القضية الفلسطينية مع هموم ومشاغل الشعوب العربية، حتى انها كانت كما عودتنا المهماز الذي هز الشارع العربي من المحيط الى الخليج.