النقابة الوطنية لإصلاح الإدارة (ا.م.ش) ضد قانون تقييد وتكبيل ممارسة حق الاضراب
في بيان للنقابة الوطنية لإصلاح الإدارة (ا.م.ش)، اعتبرت أن إصرار الحكومة على برمجة مشروع القانون التنظيمي بشأن الإضراب للمناقشة التفصيلية في لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب بتاريخ 31 أكتوبر 2024 يمثل استخفافا حقيقيا بالإجماع الوطني الرافض لهذا المشروع نقابيا وحقوقيا ومؤسساتيا؛ واعتبرت أن المدخل الأساسي لتأطير ممارسة حق الإضراب هو الاستجابة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحماية المكتسبات وضمان الحريات النقابية الأساسية.
ودعت إلى الشروع الفوري في بناء جبهة موحدة أكثر اتساعا من أجل الدفاع عن الحريات النقابية وطنيا وترابيا وعلى صعيد كل إدارة ومؤسسة.
بعد فشل الحكومات السابقة في تقييد حق الإضراب بموجب القانون، رغم الاعتداءات المنهجية المتكررة التي طالت ممارسته، بفضل يقظة الحركة النقابية الديمقراطية والمستقلة وتصديها لأكثر من محاولة على هذا الصعيد، وفي مقدمتها نقاباتنا العتيدة الاتحاد المغربي للشغل، ها هي ذي الحكومة الحالية تسعى، في إطار هجومها على الحريات النقابية، إلى تمرير مشروع رجعي ومتخلف يتعلق بتنظيم كيفيات وشروط ممارسة حق الإضراب، بهدف إفراغ هذا الحق التاريخي الذي انتزعته الطبقة العاملة المغربية بتضحياتها الجسام، من حمولته الحقوقية والكفاحية، وذلك رغم إجماع الحركة النقابية والحقوقية على رفض هذا المشروع، هذا بالإضافة إلى تحفظ مؤسسات دستورية على مضامينه ودعوتها إلى مراجعته جذريا، من قبيل ما جاء في رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الصادر في 10 شتنبر 2024 بعد تدارسه لنص المشروع الذي أحاله عليه رئيس مجلس النواب في 26 يوليوز 2024، وكذا رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وبدل أن تستجيب الحكومة الحالية لهذا الإجماع الوطني المعبر عليه نقابيا ومؤسساتيا من قبل هيئات دستورية، وتعمل على سحب مشروع القانون الذي تم إعداده على عهد حكومة بنكيران سيئة الذكر، ها هي ذي الحكومة في شخص وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات السيد يونس السكوري، تعمل على برمجة مناقشة هذا المشروع بشكل مفصل يوم الخميس 31 أكتوبر2024، في تنصل تام لمسؤولياتها، وفي تحد تام لمواقف الحركة النقابية ولتوصيات المؤسسات الدستورية ذات الاختصاص.
إن المكتب الوطني للنقابة الوطنية لإصلاح الإدارة المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل وهو يأخذ علما بهذا الإجراء التعسفي الذي يضرب عرض الحائط بمواقف الحركة النقابية ورأي مؤسسات دستورية للدولة، والذي يفتقد للشرعية الدستورية بحصره حق الإضراب لفائدة الأجراء في حين يضمنه الدستور لكافة المغاربة، يعلن للرأي العام الوطني والعمالي ما يلي:
تشبثه المطلق بالحق في الإضراب باعتباره مكسبا رئيسيا وحقا تاريخيا طبقيا للأجراء غير قابل للتصرف، بل الحق المادي الوحيد الفعلي الذي يسمح للعمال بتحسين ظروف عملهم، الذي ساهمت بواسطته الحركة العمالية المغربية في مواجهة الاستعمار (الإضرابين العامين في ديسمبر 1952 ونوفمبر 1954 على سبيل المثال)، وفي التصدي لكل المخططات التي استهدفت الحقوق والمصالح الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة بالقطاعين العام والخاص وحرياتها النقابية منذ عقود؛
رفضه للصيغة الحالية من مشروع القانون التنظيمي المنافية لروح الفصل 29 من الدستور، التي ذهبت إلى حد منع فئات معينة من ممارسة حق الإضراب، رغم أن الاتفاقية الدولية رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم تخول لها ممارسة هذا الحق، وكذا منع أشكال معينة من الإضراب ومنع الإضراب لأجل تحقيق أهداف سياسية بشكل مبهم ومطلق دون تحديد لطبيعة تلك الأهداف، بما في ذلك الإضرابات الموجهة لسياسات عمومية واختيارات بعينها قد تشكل ضررا بالحقوق والمصالح الاقتصادية والاجتماعية للأجراء، ووضع قيود وعراقيل (آجال طويلة للإخبار…)، وفرض شروط تعجيزية بخصوص نصاب انعقاد الجموع العامة (4/3 من مجموع المشاركين فيها واتخاذ قرار الإضراب بالأغلبية المطلقة)، وفرض شروط التحكيم والمصالحة بهدف نسف تعبئة العمال بما يتيح للإدارات وأرباب العمل اتخاذ الإجراءات اللازمة لنسف فعالية الإضراب، وسن عقوبات سالبة للحرية في وجه المضربين، ومنع احتلال أماكن العمل بشكل سلمي، وتكريس الاقتطاعات التعسفية من أجور المضربين، والمخالفة لقرارات لجنة الحرية النقابية التابعة لمنظمة العمل الدولية بخصوص ممارسة الحق في الإضراب؛
يحيي عاليا مواقف الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل الرافضة لمشروع القانون التنظيمي للإضراب باعتباره مشروعا يهدف إلى تقييد هذا الحق وتكبيله وإفراغه من حمولته الحقوقية والكفاحية؛
يعتبر أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب في صيغته الحالية المعروضة منذ 3 فبراير 2017 على لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب هو عودة إلى ظهير 24 ديسمبر 1934 الاستعماري الذي كان يمنع المغاربة من حق الإضراب والحرية النقابية ويزج بهم في سجون الاستعمار بسبب ممارستهم لحقهم في الانتماء النقابي والإضراب، قبل أن تتنزع الطبقة العاملة المغربية هذا الحق بفضل وحدتها وتضامنها تحت قيادة الاتحاد المغربي للشغل في 12 سبتمبر 1955؛
يثير الانتباه إلى أن المدخل الحقيقي لتأطير ممارسة الحق في الإضراب هو معالجة أسبابه الحقيقية، المتعلقة بالإجهاز على حقوق وحريات الأجراء بالقطاعين العام والخاص، إذ أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن غالبية أسباب الإضراب في العقود الأخيرة تعود للدفاع عن الحقوق والمكتسبات (26% من الإضرابات بسبب التأخر في أداء الأجور و18% بسبب غياب عقود عمل و17% بسبب عدم التصريح بالأجراء في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي) وأن أغلب الشكايات المرفوعة من قبل المنظمات النقابية إلى منظمة العمل الدولية موضوعها هو خرق الحريات النقابية؛
يتشبث بأن المطلوب حاليا من الحكومة هو تهيئة المناخ الاجتماعي الضروري لاحترام الحريات النقابية وتجسيدها وفقا لروح الدستور ومضامينه ولالتزامات بلادنا الدولية، التي تلزم الحكومة باستحضار المرجعية الحقوقية الدولية لحقوق الإنسان المتعلقة بضمان حريات الاجتماع والتنظيم والانتماء النقابي وضمان الحق في ممارسة الإضراب، وذلك من خلال الشروع الفوري في تحقيق عدد من الإصلاحات، أهمها:
إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي؛
التصديق على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم، التي تم الالتزام بالشروع في دراسة إمكانية المصادقة عليها منذ أول اتفاق اجتماعي تم توقيعه في فاتح غشت 1996، والتي تضمن حق العمال والموظفين في القطاعين العام والخاص في تشكيل النقابات والانضمام إليها بشكل حر، دون تدخل من السلطات العامة، ويشمل ذلك الحق تنظيم الإضرابات كوسيلة للمطالبة بالحقوق؛
احترام وتنفيذ كل الالتزامات الواردة في الاتفاقات الموقعة في إطار الحوار الاجتماعي المركزي والقطاعي (منها ما يعود إلى سنة 1996 !!)
إرجاع المطرودين لأسباب نقابية وتعويضهم، والكف عن التضييق على ممارسة العمل النقابي؛
إرجاع المبالغ المقتطعة من أجور المضربين، على الأقل في ظل الحكومة الحالية لتأكيد حسن نيتها في تدبير هذا الملف الوطني؛
الكف عن سياسة عرقلة العمل النقابي بعدم منح وصول الإيداع من قبل السلطات المختصة للمسؤولين النقابيين عند تشكيل المكاتب النقابية أو تجديدها؛
تكريس الحق في المفاوضة الجماعية في القطاع العام بموجب القانون، ومعالجة الإشكالات المتعلقة بغياب معايير لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا بالقطاع العام (إدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية)؛
إصدار قانون يتعلق بمأسسة الحوار الاجتماعي مركزيا قطاعيا جهويا وترابيا، وعلى صعيد المؤسسات؛
الاستجابة للمطالب العامة والفئوية العالقة لموظفي الإدارات العمومية، مثل إحداث درجة جديدة ومراجعة الأنظمة الأساسية للهيئات المشتركة بين الوزارات على قاعدة الإنصاف ومنع التمييز المهني والعدالة الأجرية، باعتباره المدخل الأساسي للتخفيف من حدة النزاعات الاجتماعية بالمرافق العمومية من جهة، ولتوفير شروط رفع جودة الخدمات العمومية لتحقيق مصالح المواطنين، والاستجابة إليها في ظروف ملائمة من جهة أخرى؛
التسريع بإصدار قانون يتعلق بالصحة والسلامة المهنية بالمرافق العمومية، لتأطير الإشكالات التي قد تتعلق بوجود خطر يهدد الصحة والسلامة بالمرافق العمومية، والتي قد تكون سببا في الدعوة إلى الإضراب.
لهذه الاعتبارات وفي ضوء الموقف التاريخي المبدئي المشرف لنقابتنا العتيدة: الاتحاد المغربي للشغل الرافض لهذا المشروع، نؤكد على استعدادنا التام للانخراط في كل المبادرات العملية النضالية الضرورية للتصدي لنزع سلاح العمال والموظفين من أجل الدفاع عن كرامتهم وحريتهم، وحقوقهم ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، ولنا الثقة أن خبرة ووعي وشجاعة طبقة الأجراء المنظمة بالقطاعين العام والخاص قادرة على التصدي بشكل جماعي لهذا المشروع التشريعي المضاد للإضراب، وهذا يقتضي من وجهة نظر نقابتنا الشروع الفوري في بناء جبهة موحدة أكثر اتساعا من أجل الدفاع عن الحريات النقابية وطنيا وترابيا وعلى صعيد كل إدارة ومؤسسة.