جهة درعة – تافيلالت و الزمن التنموي المهدور ..
د. سعيد ألعنزي تاشفين
مرّت الولاية السابقة في الشنآن الكبير بين أعداء النهار و أصدقاء الليل ، فضاع حلم المليون و النصف من المواطنين بين شعبوية الأغلبية وعبث المعارضة ، و النتيجة استمرار الإقصاء و انسداد أفق التنمية المنتظرة و التهميش الممنهج و استمرار عبثي لمسلسل جميعا في انتظار » كودو » .
انتهت ولاية حزب العدالة والتنمية على رأس مجلس الجهة الأكثر تأخرا، رغم ما تزخر به الجهة من ثروات و خيرات. وبحماس كبير شارك السواد الأعظم من ساكنة هذه الربوع في الانتخابات التي منحت حزب التجمع الوطني الأحرار الصدارة، إلى جانب باقي الأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية ، و ذلك ضمن أغلبية ساحقة مطلقة دون معارضة بعلة انسحاب ممثلي العدالة والتنمية من سقف التدافع .
مجلس بأغلبية مريحة جدا، ودون معارضة تربك خطوات البحث عن استدراك الزمن المهدور كما كان » مناضلي » الأحزاب المشكلة للأغلبية يدعون لخمس سنوات. الأحرار والاتحاديين والباميين والاستقلاليين .. ضمن الفريق الذي عُبدت أمامه الطريق للتفاعل من الإنتظارات الحارقة للمستضعفين من جمهور جهة » الله إعمرها خيمة ».
سورياليات الفعل السياسي تحت قسوة التأويل الحزبي الأغلبي .
دخل الحزب الأغلبي بمجلس الجهة غمار الاستحقاقات الانتخابية بحماس انفعالي كبير، لدرجة أن الوعود كانت سخية جدا، وطنيا وجهويا ، بما كان يطمئن ٱمال البؤساء من ضحايا التهميش القصري بفيافي » الحكرة » التي تمتد على طول ثاني جهة مساحة بالمغرب، فاستبشرت جحافل المعطوبين تنمويا خيرا من حزب قدّم الكثير من الوعود ، و من رئيس جهة يعي جيدا حجم الخراب الذي تعيشه هذه الجهة التي تفتقر إلى أدنى مؤهلات التنمية البشرية والترابية المناسبة لكونه سليل الهامش الجغرافي غير بعيد من عاصمة الجهة. ومما زاد من حجم الإنتظارات بلوغ بعض مناضلي الأمس الذين كانوا غير مسيّسين، ثم استثمروا بذكاء براغماتي الرصيد الذي راكموه من العمل الجمعوي ومن رمزية القبيلة و المجال، سدرة المنتهى على مستوى ترأس اللجن بمجلس الجهة المحظوظ. وأمام توافق الجميع و تواطؤ كل الفاعلين على محاصرة الحزب الأغلبي السابق ؛ تحققت كل شروط العمل وفق مقاربة فريق منسجم لصالح تنمية الجهة . فماذا حصل ؟
المألات :
المشرّع الترابي حدد الجماعات الترابية في تلاثة مستويات وهي : مجالس الجهات ، و مجالس الأقاليم و العمالات ، و الجماعات المحلية . وهذا التمييز غير مجاني بحيث إن المشرّع على قاعدة القوانين التنظيمية الضابطة لآليات اشتغال هذه الجماعات الترابية ، نهل من مقتضيات ما ورد في الدستور من مبادئ ضمن نسق الهندسة الترابية. لذلك تأتي القوانين التنظيمية 111- 14 و 113 – 14 و 112-14، وغيرها من المراسيم ذات الصلة ، من أجل تدقيق حدود اشتغال كل جماعة ترابية على حده دون خلط أو هيمنة .
الملاحظة الأولى: الأحزاب المشكلة للأغلبية المطلقة بمجلس الجهة حصلت على ثقة الناخبين بناء على برامج حزبية مشكلة لماهية التعاقد الذي يربط المنتخبين بالكتلة الناخبة. وعليه نتساءل من باب الاستغراب كيف يتم القفز على برامج الأحزاب التي تشكل روح التعاقد نحو عقد اجتماعات » بديلة » لجمع التوصيات والمقترحات !! فما جدوى الانتخابات والبرامج الحزبية إذن !!
الملاحظة الثانية : السادة العمال بكل الأقاليم الخمسة بالجهة يحضرون بصفتهم الرسمية دورات مجالس الأقاليم و العمالات ، كما يحضر السادة الباشواتة والقواد اجتماعات الجماعات المحلية ، و عليه ما هي العلاقة القانونية و التنظيمية بين مجلس الجهة و السادة العمال وكل المنتخبين محليا ضمن جماعات القرب ؟! أليست مجالس الأقاليم و العمالات مستقلة في اختصاصاتها القانونية و التنظيمية عن مجلس الجهة !! أم أن مجلس جهة درعة تافيلالت ، على غرار المجلس السابق ، لا يعرف سوى عقد الاجتماعات والبحث عن لقاءات الإشهار !! دون القدرة على إعلان مشاريع حقيقية للتنفيذ ؟!
الملاحظة الثالثة: بدل عقد اجتماعات استهلاكية نمطية ، أليس حري بمجلس الجهة عقلنة صرف المال العام ، و التوجه مباشرة نحو تنفيد البرنامج السياسي المتوافق عليه من لدن الأحزاب المشكلة الأغلبية. وهنا حري أن نتساءل من باب الحكامة ؛ كم هي الميزانية المخصصة من المال العام لتنظيم اللقاءات مع الجماعات المحلية ومجالس الأقاليم والعمالات و بحضور السادة العمال ؟؟ أليس من الشفافية مبدئيا التصريح بالرقم المالي المخصّص لهذه الاجتماعات بدل نشر جدول اللقاءات فقط ؟! ودون الذهاب بعيدا؛ أليس من النزاهة التصريح بالفنادق التي تعاقد معها مجلس الجهة من أجل ضمان المبيت والغذاء والشاي وكل التفاصيل لصالح الحضور الكريم ؟! أليس من الحكامة نشر كل هذه التفاصيل تفاديا لتكرار التجربة سيئة الذكر مع المجلس السابق الذي أنهك الميزانية بما سمي مجلس الخبراء الذي استقطب عينات مثقفي » الهمزة و قضي لغراض » و زيارة الصين السوريالية .
الملاحظة الرابعة: كيف لمجلس الجهة أن يتجاوز الديموقراطية التشاركية التي تسمح للمجتمع المدني بالمشاركة في صناعة القرار العمومي ، و التركيز على استهلاك الزمن التنموي في لقاءات يحضرها كل المنتخبين الذين هم أصلا أعضاء في جماعات ترابية أخرى ؟! بمعنى أدق: أليس من الأنسب أن يركز مجلس جهة درعة تافيلالت مجهوداته في عقد دورات تداولية واضحة تناقش كل شيء بجرأة ووضوح دون كولسة أو تستّر بما حوّل الجهة إلى مؤسسة بيروقراطية جافة ومتخصصة في رفع الأيادي و التصفيق . و بدل انتهاك الحدود القانونية والتنظيمية الفاصلة بين الجماعات الترابية محليا و إقليميا و جهويا ؟! وبمنطق إرشاد النفقات ؛ أليس من الصواب مطالبة رؤساء المجالس الخمسة للأقاليم والعمالات بتقارير تركيبية بدل عقد اجتماعات لا تخلو من البهرجة السياسوية ومن الفلكرة الحزبوية رغم بريق الاحترافية ؟! وفي الأقصى؛ أليس من الشفافية استدعاء رؤساء المجالس الإقليمية الخمسة فقط إلى مقر مجلس الجهة ، و بحضور السيد الوالي بصفته منسق عمل السادة العمال الخمسة، لمناقشة تنسيق البرامج، بدل هدر المال والزمن العموميين في اجتماعات الشكر المتبادل و استنزاف المال العام في صرف بنزين التنقل نحو الإجتماعات ؟!
يبدو لي أن المناطقة ( فلاسفة المنطق ) كانوا على قدر عال من الدقة عندما أكدوا أن البداية الصحيحة تؤدي إلى النهاية الصحيحة . و قياسا نؤكد أن مجرد نشر مقترحات مثل التفكير في ملعب الكولف بمرزوكة !! أو رهن الملايير لمحاربة الحرائق !! أو محاولة إيجاد معبر لانقاذ بعض المستثمرين السياحيين الكبار بمنطق الإرضاء و جبر الخواطر و أداء القروض المعلقة على أشلاء انتظارات جمهور المستضعفين بربوع الغبن الذي يعمقه ساسة اللقاءات الشكلية و الورشات السطحية و الدورات السرية !! يؤكد خيبة أمل حقيقية على شظايا التنمية الترابية المؤجلة إلى أجل غير مسمى .
أم ترى ، بمنطق الخلف ، أن صمت » صحافة » التهليل ، و حقوقيي » دهن السير إسير » وجمعويي نمطية الرفض من » صناديد » الحروب بالوكالة ، قد يحقّق درجة عليا من التطبيع مع حالة الهدر الممنهج للحق في التنمية لصالح التماهي مع مجلس الأغلبية المطلقة التي نجحت أولا في إخراس أصوات مهرّجي الساحة من أصحاب اللايفات والتدوينات المؤدى عنها في سوق الخردة القائمة على لبنات » التدويرة » و » بون المازوط » و » الله إخلف عليكم سيدي » !! و نحن هاهنا نعتقد ، مع موفور الإحترام للجميع ، أن النزاهة الفكرية و الأمانة المواطناتية تلزمنا بإسماع صوت النقد المركب بما سيساهم في تصويب الإخلالات و تقويم الاختلالات لصالح قواعد الحكامة الجيدة و تقديرا لقيمة السياسات الترابية.
إفادات ختامية :
✓ نطالب الأغلبية المسيرة لمجلس جهة درعة تافيلالت أولا بتفادي مثل هذه اللقاءات التي لا نجدها بالجهات الأخرى المحظوظة ، و الذهاب مباشرة و دون لفّ أو دوران ، إلى مباشرة المشاريع الكبرى التي ينتظرنا جمهور الجياع في مطبخ التنمية ، دون تكرار خطايا المجلس السابق الذي أنهك زمن الجهة التنموي بزيارات الصين و على أنقاض البؤس الشعبوي الذي ساء استغلاله للتسويق السياسوي كما هو الحال مع المناضلة هنو ذات زمن فائت .
✓ نؤكد لكل أعضاء مجلس الجهة أن المسؤولية جسيمة جدا و ثقيلة أمام الله سبحانه و أمام صاحب الجلالة و أمام التاريخ ، و ليس أمام الشعب ، مادام هذا الجزء من الشعب بهذه الجهة ضحية لاجتماعات » البريستيج » و مداولات الاستهلاك الإعلامي الذي تنتظره القناة الاولى لممارسة التنويم المغناطيسي على جحافل المنسيين بربوع » الله كريم » بجهة » الله إرزقكم الصبر » .
✓ ننتظر من السيد رئيس المجلس التصريح بالميزانية المرصودة لهذه الاجتماعات، مع التفصيل في الفنادق الحاصلة على صفقة المبيت و الغذاء و التكلفة . و مع ضرورة نشر التوصيات الختامية ضمن تقرير علني غير مشمول بالسرية كما يفعل مجلس الدورات المغلقة ، ضدََّا على الحق الدستوري في الولوج إلى المعلومة ، حتى يتسنّى للمجتمع المدني الاطلاع على المعطيات و إبداء وجهات النظر المكفولة ضمن قواعد الديموقراطية التشاركية المؤكدة في المتن الدستوري و كررتها مقتضيات القوانين التنظيمية ، قبل أن يطالها التحقير و التجاوز .
نافلة الرصد والتتبع:
إن مسؤولية حوامل إملشيل و أنفكو ، و شيوخ مصيصي وإيتزر، و معطلي محامد الغزلان وإمتغرن، وطلبة أسامر عموما، وأرامل الكرامة المفقودة في قفار الأطلس الكبير الشرقي، ومرضى مستشفيات الموت بالتقسيط، وجموع أصحاب الحلم المخصيّ .. و غيرهم من أراذل و مستضعفي ربوع الغبن والحكرة والحيف المنهج، تقع على عاتق كل المنتخبين محليا وإقليميا وجهويا بدرجة أكبر نظرا لحجم الأرصدة المالية المتاحة أمام مجلس الجهة ، فهل من مذّكر !!