تأملات في تاريخ التأويل الفلسفي
د. سعيد ألعنزي تاشفين
لقد عرج الفكر الإنساني عبر دروب العقلانية الغربية من خلال مسارات متعددة تميزت بالانتقال من المفهوم المسيحي عن الإنسان في بعده الروحي المنفتح ، نحو الإنسان ككائن مغاير مضبوط بصفة التحول تحكمه دوافع غرائزية . و لقد بلغ الفهم التطوري أقصاه مع الداروينية التي تعتبر الإنسان منتهى التطور الذي بلغته الأنساب البيولوجية . فالإنسان، حسب شارل داروين، تجل فقط لسلم التطور؛ ولقد تطورت النظريات الباليو – أنتروبولوجية على قاعدة مدارك شارل داروين صاحب الانتخاب الطبيعي غير بعيد مما جاء جون باتيست لامارك . ونجد التحليل النفسي يعتبر الطاقة الجنسية أو الحسية المدعوة بالليبيدو الأصل في كل سلوكات البشر، إننا بصبغة ما أمام الرغبة في الجنس التي تتحكم في توجيه كل الرغبات الأخرى، حتى إن الكبت يبني الحضارة عبر تصريف المكبوتات لدى البروليتاريا كقوة عمل منتجة. وبين سيغموند فرويد وفيلهلم رايش تمايزات دقيقة، حتى إن كل الماركسيين يرفضون كل استنتاجات فرويد باستثناء موقف تروتسكي، وهنا نصادف الماركسية تصادر على التصور الطبيعي للإنسان ككائن تحكمه ميول ودوافع العيش والبقاء ( غريزة الحياة عند فرويد ) . ففي النظرية الماركسية يتراوح الإنسان بين الكائن المنتج والكائن الصانع ، وكلها توصيفات ذات أساس بيولوجي وتاريخي واضح . وعند نيتشه فالإنسان تسكنه كينونة لا تاريخية تتجسد في روح » ديوزينوس » أو القوة اللاشخصية للرغبة .
و من الفهم القروسطي ، نحو فرويد ، فداروين ، إلى ماركس ، ثم نيتشه ؛ تتركب تأويلية الفاعلة الاختزالية كما سمّاها بول ريكور . بمعنى أن كل نزعة تأويلية ستصطدم بالقوى المادية التي قد تكون الجنس ( فرويد ) أو الصراع الطبقي ( ماركس ) أو إرادة القوة ( نيتشه ) . ويذهب التأويل بعيدا نحو جعل العالم تجل للعقل العملي كما عند إيمانويل كانط ، أو إسقاطا لكمالات الذات الإنسانية كما فهم لودفيغ فيورباخ ، أو شكلا من أشكال الاستيلاب كما فهم ماركس في معرض تفكيكه لبنية الشغل، أو إسقاطا استيهاميا حسب جاك لاكان، أو صورة مقلوبة للمجتمع كما نجد في منظور إميل دوركهايم .
إن الخلفيات والأسس البيولوجية والتاريخية للإنسان تتعدد بما يجعله حيوانا سياسيا وحيوانا يشرعن الجنس بالثقافة وحيوانا إيديولوجيا وحيوانا تاريخيا و حيوانا لغويا و حيوانا أخلاقيا . ونعتبر الأيديولوجيَا التطورية من منظور غربي نجحت في تأويل الإنسان في كل شيء إلى أن أصبح انعكاسا شرطيا لميتافيزيقا التقنية كما بيّن مارثن هايدغر وهوركهايمر وأدورنو .
وبين السفر من نظرية إلى أخرى؛ ها أنا أسافر كذلك بحثا عن الوهم كما فعل نيتشه مع زرادشت بمقارنة متعسفة لا غرو .