إن اليمين لفي خسر وإن اليسار لفي عسر
فؤاد الجعيدي
المتتبعون للحياة السياسية اليوم بالمغرب، مع اقتراب موعد الاستحقاقات القادمة، لا يلمسون في الأحزاب السياسية الوطنية من يمينها إلى يسارها، سوى التدافع على المناصب والمراتب..التزكيات السياسية التهبت بين الخارجين من أحزاب إلى أخرى ولا يجدون أدنى حرج في هذا الترحال.
لم تعد القناعات السياسية والوفاء للمبادئ هي الأساس، بل المرشحون اليوم يطرقون أبواب الأحزاب، وتنشط الوساطات العائلية والقرابات لنيل ثقة الزعيم السياسي، الذي له وحده النصيب والحق في تزكية هذا دون الآخر الذي يقترحه التنظيم، بل الأحزاب تتبادل الشياطات بين بعضها البعض بالرباط الأصالة والمعاصرة يوجه من لم يتم إرضاؤهم إلى حزب التقدم والاشتراكية والسي الحاج يوقع كما العادة على شيكات على بياض سياسيي، وصارت القولة القديمة سارية المفعول بين الأحزاب ( العظم للي ما تكدو والي به خوك)
الزعماء اليوم يختارون من له المال، ويعتبرونه هو قوام الأعمال، ولا يهم إن كان يفهم في السياسة أم سيكون عبء عليها كما كان السابقون.
غدا اليوم الترشح والفوز بالمقعد هو المقياس والهدف في ذات الآن، ولهذا السبب غيرت الأحزاب جلودها وصارت شبيهة (بالسبع بولبطاين)،
كما غير بدورهم القادمون والرحل جلودهم للدخول إلى الكرنفال.
المؤلم في العملية برمتها، أن مشاريع البرامج غائبة، كما تم تغييب تقديم الحساب لمن كانت أياديهم في العصيدة الحكومية حاضرة، وملطخة بسوء تحضير العجين، وما أنتجوا سوى العجز وراكموا الخصاص الاجتماعي.
لا نجد اليوم بين القوى السياسية، حزب واحد يحدث الناس عن مطالبهم الحقيقية، ويفسر لهم الأسباب الحقيقية، لتعثر نسب النمو وضعفها، ولا نجد من يقوى على تفسير، أزماتنا العابرة والقارة والمتحولة، ولا أحد يخبرنا عن هذه السياسات التي عمرت على مدى عقدين، ولم تنتج إلا احتكارا للثراء في يد حفنة من المغاربة، وتعميما للفقر في صفوف مواطنين يعيشون على عتبات الفقر.
يوم أن ضربتنا الجائحة بقوة ارتفعت أسعار الأوكسجين ولا من يراقب السوق كما ارتفعت محولات انتاجه في سوق لا رقيب عليها.
حين ضربتنا الأزمة بقوة، بات المقاولون الصغار لتنظيم الحفلات، يبيعون معداتهم كما فعل موسيقيو الأعراس، والنساء العاملات بالحمامات لما اشتدت الأزمة، وطالت خرجوا في احتجاجات لم تسمعها الحكومة كما لم تسمع بكل الأصوات، التي تقول أن السكين وصل إلى عظام البشر.
السياسيون كانوا يحظون بالفرجة على آلام الناس، وأحزانهم. لكن في بلدان أخرى، كانت الحكومات النابعة من إرادة الشعوب، تسن إجراءات وتضخ، مزيدا من بخات الأوكسجين في المقاولات وعمالها للعبور من الأزمة إلى شواطئ الأمل.
كانت المحافظة على قوت البشر من باب الأولويات الكبرى، هذا الإحساس الإنساني بضرورة الحفاظ على حياة الناس، اتخذته المؤسسة الملكية وسارعت في تنفيذ إجراءاته دون تردد، لكنها لم تجد أحزابا في مستوى التحديات لتقديم العمل الموازي للخطط الاستراتيجية الوطنية الكبرى وتقديم الحلول النافعة للبشر.
كانت الحكومة تكتفي باللغط والخطب الإنشائية، كما فعل رئيسها السيد العثماني والذي لم يبتعد تفكيره ،عن الكمامة والاجتهاد فيما تجوز فيه من أوضاع وسياقات، واختلط عليه الحابل بالنابل وبات يضرب أخماسا بأسداس، ولم يكن يستحق أن يكون رجلا من رجالات الدولة، لأنه فشل في القيام بالأمانة التي جاء من أجلها فتحول في نهاية الطريق، إلى متحور لرئيس حكومة لا يسمن ولا يغني من جوع.
أما اليسار هذا الفسيفساء، الذي تشكل من تاريخ المقاومة الوطنية، أو في الحلقيات الجامعية، غدا يأكل بعضه البعض ويتبارى في تقديم أرضيات بها المتاعب الذاتية لتطاحنات ومعارك تشبه معارك الدجاج اللاتيني، وتغيب منها المسؤوليات التاريخية في تأطير سكان المداشر والمدن السفلى والغارقة في خصاص لا يعلمه إلا من لم يختبر الجوع، والمبيت ببطون فارغة، أو إنسان ينهش جسده الداخلي، الحاجة إلى مضاد حيوي لا يقوى على اقتنائه أو عامل كشر في وجهه باطرون يعتقد خطأ أنه فاعل الخير بين العمال ولا يعترف أنه من مصاصي دماء البشر، كما حدث في المعامل السرية لطنجة والدار البيضاء والتي تصنع الماركات المسجلة.
يسارنا لم يقو على تأمل هذا الخصاص الاجتماعي وانشغل بتبليط الأرضيات بمزيد من الإسمنت الفكري والملاسنات التي لن تساهم في تغير حياة الناس نحو الأفضل.
صارت أحزاب اليسار، تعني إنتاج مرحلة ملوك الطوائف، ويدافعون عن ملكية برلمانية، أكذوبة مرحلة صاغوها والتفوا حولها بالنعيق.
لكن في مغرب اليوم نحن بكل بساطة، في حاجة إلى الدولة الاجتماعية والتي تقف بنفس مسافة الحياد من الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين وترعى المفاوضات وصيغ التزامات الأطراف المسرولة عن إنتاج الثروة بالرأسمال المادي والسواعد البشرية.
الدولة التي تضع دفاتر تحملات، لقطاعها الخاص الذي يطالب بالمزيد من الامتيازات، لكن في نهاية المطاف ينسل من واجبات التضامن الاجتماعي ان استدعت الظروف والأوضاع ذلك.
لا يمكن أن نتجه للمستقبل بالأعطاب الاجتماعية، وعلينا تصفية التركات السلبية، لهذا العداء للقوى المنتجة وترسيم هشاشتها في البنيات الانتاجية.
الاقتصاد القوي والبديل التنموي الحقيقي، هو الاعتراف لكل أطراف المجتمع بالحقوق والواجبات على قدم من المساوات، بالتوزيع العادل للمقدرات الوطنية، خارج حرمان جزء هام من شعبنا من ثمار التطورات الاقتصادية.
علينا وعلى حكومتنا أن نحيا حياة اجتماعية فيها تبادل المنافع بين المال والبشر، تلك هي الإشكالية المركزية التي وجب للسياسيين الانتباه إليه بدون كمامات على العيون.