السياق الوطني والاسباني والدولي لندوة : » العلاقات المغربية الاسبانية رؤى متقاطعة »
وهذا بعض مما جاء في الكلمة الافتتاحية للأستاذ محمد الدرويش:
نود أن تكون كلمةً مؤطرةً لدلالات المكان والزمان ، ولسياقات وطنية واسبانية و دولية نذكر منها :
1 / يتم تنظيم هاته الندوة الدولية في موضوع:
» العلاقات المغربية – الاسبانية :
رؤى متقاطعة »
تحت قبة مدرج الشريف الادريسي و برحاب كلية الآداب و العلوم الانسانية العريقة ، و التي تخرج منها آلاف الطلاب من تخصصات متعددة و مختلفة نذكر منها اللغة و الآداب الاسبانية، و التي أنشئت بها أول شعبة للإسبانية سنة 1959 .
2 / إحياء المغرب ملكاً و شعباً للذكرى الرابعة و العشرين لوفاة فقيد المغرب جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه
3/ احتفالات المغرب ملكاً و شعباً بالذكرى السابعة و الأربعين للمسيرة الخضراء 6 نونبر 1975-
6 نونبر 2022 ، و بالذكرى السادسة و الستين للاستقلال 16 – 17 – 18 بذكرى عودة المغفور له جلالة الملك محمد الخامس من المنفى و إعلان استقلال المملكة المغربية ، وهي احتفالات تشكل لحظات بصمت تاريخ المغرب المعاصر لما تمثله من تلاحم بين العرش العلوي و الشعب المغربي خلال مسيرات الحرية و الاستقلال و بناء الدولة المغربية الحديثة و تثبيت أسس التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و المعرفية و الدفاع عن المقدسات و الثوابت …
4 / احتفالات المنتظم الدولي باليوم العالمي للعلم و السلام 6 نونبر من كل سنة ، و يوم 10نونبر اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام و التنمية ، و 16 منه اليوم الدولي للتسامح ، و 19 منه اليوم العالمي للفلسفة ، و اليوم العالمي للطفل 20 من كل شهر نونبر…
5 / نلتقي اليوم و المغاربة يتلقون باعتزاز كبير وبأهمية بالغة القرار الأممي رقم 2654 الذي أصدره مجلس ألأمن الدولي بخصوص الصحراء المغربية و الذي بمقتضاه يتم التأكيد على سمو المبادرة المغربية للحكم الذاتي تسوية للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية و يمدد لولاية بعثة المينورسو حتى متم شهر اكتوبر 2023في سياق يتميز بتزايد أعداد الدول غير المعترفة بالكيان الوهمي و بالدعم الدولي المتزايد يومًا بعد يوم للمبادرة المغربية للحكم الذاتي و بفتح أكثر من ثلاثين دولة لقنصلياتها العامة بمدينتي العيون و الداخلة و بسياسات التنمية بكل أنواعها و مستوياتها من طرق سريعة و بنيات تحتية و مرافق ضرورية و هي السياسة التي كانت محور الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء ، قرار اعتبرته مجموعة كبيرة من المنابر الإعلامية الوطنية و الدولية و منها الاسبانية طبعاً انتصاراً للمملكة المغربية .
6 / تعيين الحكومة المغربية للسيد عبد الكريم زهود مديرا للشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق تنفيذاً لمقتضيات اتفاقية التعاون العلمي و التقني الموقعة بين البلدين و إحياءً لتنفيذ مشروع إنشاء النفق البحري الذي يمتد على طول ثمانية و عشرين كيلوميتر و الذي سيربط المغرب باسبانيا بخط سككي تحت سطح البحر بعمق ثلاثمائة متر من مدينة بونتا بالوما إلى مدينة طنجة و هو المشروع الذي نتج عن اتفاق بين المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني و فخامة الملك السابق خوان كارلوس سنة 1979 .
7 / تخصيص الحكومة الاسبانية ضمن ميزانية هاته السنة لمبلغ سبعمائة و خمسين الف اورو لإعداد دراسة جديدة بمشاركة شركة المانية متخصصة في هذا النوع من المشاريع .
8/ مرور أقل من اسبوع نقصد يوم نونبر 11 ذكرى تصويت البرلمان الاسباني على قرار الموافقة على توقيع اتفاقية مدريد الثلاثية بين اسبانيا و المغرب و موريتانيا و يومان فقط على 14 نونبر 1975 تاريخ توقيعها إعلانًا لانتهاء الاستعمار الاسباني في الصحراء المغربية قانونًا و واقعًا و بداية مرحلة جديدة في العلاقات المغربية الاسبانية .
و بذلك يكون شهر نونبر حافلا بالأحداث و المواقف و الذكريات المغربية و الاسبانية و الاممية و هو ما دفعنا لاختيار نونبر تاريخًا لالتئام هاته الندوة لما لها من دلالات عميقة في تاريخ العلاقات المغربية الاسبانية و التي انتهت بالطي النهائي لصفحة عدم التفاهم بين حكومتي البلدين مباشرة بعد إعلان الحكومة الاسبانية الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء من خلال دعم مبادرة الحكم الذاتي بالمنطقة و هو ما اعطى انطلاقة متجددة للعلاقات الثنائية بين البلدين المبنية على الاحترام و الثقة فتعددت الزيارات و توقيع الشراكات بين الفاعلين في كل المستويات الشيء الذي جعل المغاربة و الاسبان يحسون بانعكاسات ايجابية على هاته العلاقات و يسترجعون لحظات تضحيات جسام لشعبين امنا بالحرية و الاستقلال و الازدهار وانخرطا في المسيرات الخضراء و الزرقاء و البيضاء رافعين رايات السلم و السلام و الأمن و الاطمئنان من اجل عالم التعايش و التضامن و الأخوة و التآزر.مسيرات تعددت مظاهرها في البلدين و طرق تنفيذها فمنها ما كان لتحرير جزء من الأراضي و منها ما كان لتحرير المواطن من قبضة الحاجة و الفقر و الجهل و منها العمل على تطوير المنظومات الاقتصادية و الاجتماعية و المؤسساتية حتى تنخرط كل دولة في ركب الدول المتقدمة و المؤمنة بثقافة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا و بالحياة و العدالة الاجتماعية و كرامة الموطن و بالطبع و لاعتبارات متعددة يضبطها المؤرخ و السياسي و غيرهما تمكنت اسبانيا من ربح رهانات متعددة اكثر من المغرب الذي مر الى السرعة القصوى في كل ما يرتبط بالتنمية و العلاقات الدولية لاستدراك الزمن الضائع .
و بالطبع قبل ذلك و بعده ننظمها في سياق دولي عصيب يعيش تحت وقع الانعكاسات السلبية لزمن كوفيد 19 وطنياً و دولياً اقتصادياً و اجتماعياً و علاقات دوليةً في محيط دولي متوثر انتهى بشن روسيا الحرب على اوكرانيا وما تخلفه من ويلات ودمار انساني في المنطقة بل انها تمس دول أخرى بسبب التبادلات التجارية بين هاته الدول وباقي دول العالم حرب ستجر الويلات على كل دول العالم بسببها وبسبب المخاض الذي يعيشه العالم من الناحية الجيوسياسية وهاته أوضاع تؤثر لا محالة على دول العالم .
أيها الحضور الكريم،
نتابع باهتمام بالغ و عناية فائقة التطورات السريعة لملف الصحراء المغربية ، و تأثيراتها على العلاقات الدولية عموما ، و العلاقات المغربية – الاوروبية خصوصا ،و العلاقات المغربية – الاسبانية على وجه اخص ، و انطلاقًا من إيمانها بادوار المجتمع المدني المغربي في المساهمة في بناء الأمن والسلم العالميين ، و بمقتضيات القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ، وكل مبادئ المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية ، التي تعمل على نشر الأمن والاستقرار في العالم ، واستناداً إلى مبادئ مؤسسة فكر القائمة على نصرة القضايا الوطنية ، وفي مقدمتها الوحدة الترابية والوطنية و كل قضايا الفكر و الثقافة و العلوم و التنمية ، وإشادةً بالدور الريادي و القيادي لجلالة الملك محمد السادس في تدبير السياسات الخارجية للمملكة المغربية و استحضارًا لمضمون الخطاب الملكي في 20 غشت 2021 ، والداعي إلى فتح مرحلة جديدة غير مسبوقة في العلاقات بين المغرب واسبانيا و احالةً على الموقف الأخير للحكومة الاسبانية ، والمعلن في رسالة رئيسها ، المؤرخة في يوم 14 مارس 2022 ،و القاضي بالاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي ، المرجع الأكثر جديةً وواقعيةً ومصداقيةً من أجل تسوية الخلاف الإقليمي حول الصحراء المغربية و بلاغ الديوان الملكي المؤرخ في 18 مارس حول الرسالة التي تلقاها جلالة الملك من رئيس الحكومة الاسبانية في موضوع الاعتراف الاسباني بسيادة المغرب في أقاليمه الجنوبية
و زيارة رئيس الحكومة الاسبانية وما أثمرته شكلًا ومضموناً من إعلان بدء مرحلة جديدة غير مسبوقة بين اسبانيا والمغرب ستكون لها – لا محالة – انعكاسات جيدةً و مثمرةً اقتصادياً و اجتماعياً و سياسياً على المنطقة ، و بدأت ثمارها تظهر للرأي العام الوطني و الدولي تتمثل في الاجتماعات المكثفة بين
السيدين وزيري خارجية البلدين ناصر بوريطة و خوسيه مانويل الباريس اعدادا للجنة العليا المغربية الاسبانية و كذا و الاعلان عن رغبة تقوية التبادل التجاري و الاستثمار في مجالات متعددة و تعزيز التعاون على أساس مبادئ الاحترام المتبادل و المنفعة المشتركة و تجنب القرارات الأحادية الجانب و تجنب التدخل في الشؤون الداخلية و هي إشارات عميقة لمسلسل علاقات مثمرة بين البلدين تقوم أساسًا على تفعيل و تقوية كل ما هو متفق عليه و تأجيل كل نقطة خلافية بينهما صغيرةً كانت أم كبيرةً و هذا تدبير حكيم من الطرفين ، و عليه، و استحضارًا لكل هاته السياقات و الظروف و المعطيات فإن مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة و العلوم :
– تشيد بالقيادة الرشيدة لجلالة الملك في إدارة السياسة الخارجية للمغرب ، والمرتكزة على السلوك الحضاري والتاريخي العريق للمملكة المغربية ، وعلى مبادئ السلم وحسن الجوار والسلامة الإقليمية ، كما هي مثبتة في ميثاق الأمم المتحدة،
– تحيي موقف الحكومة الاسبانية الجديد ، الذي يشكل نقلة نوعية في مواقف اسبانيا تجاه نزاع الصحراء منذ 1963 ،
– تعتبر رسالة رئيس الحكومة الاسبانية المؤرخة في 14 مارس ، وثيقة والتزاما مكتوبا ، استجابة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2072( د 20) والمؤرخ في 16 دجنبر 1965 ، والذي طالبت فيه الأمم المتحدة في الفقرة الثانية ، بأن تتخذ اسبانيا وفورا ، الإجراءات اللازمة » لتحرير إقليمي إفني والصحراء الإسبانية والدخول لتحقيق ذلك في مفاوضات حول قضايا السيادة على الإقليمين »
– تؤكد أن المغرب واسبانيا بطيهما للأزمة يدخلان مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية الكفيلة بالتأثير على استقرار الأمن والسلم بشمال غرب إفريقيا وغرب المتوسط ، وأن ما يجري من حروب متعددة الأشكال والمضامين في أوربا ، و التحديات الأمنية والعسكرية في مضيق جبل طارق ، يفرض بناء علاقات استراتيجية بين البلدين ، وضرورة الترفع عن أي مزايدات انتخابوية ، إن في إسبانيا أو على المستوى الأوربي أو في المغرب
– تعتبر الموقف الاسباني انتصارا دبلوماسياً جديدًا لدعم نصرة الوحدة الترابية الوطنية انطلاقًا من قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 -1541، و انخراطا في مسار التحول الدولي و المواقف و القرارات المنتصرة لمبادرة الحكم الذاتي ، ولبنة جديدة في بناء السلم في المنطقة ، على غرار الاعتراف الألماني الأخير بمبادرة الحكم الذاتي ، و إشادة الأمم المتحدة بالجهود الجادة وذات المصداقية التي يقوم بها المغرب من أجل حل النزاع الإقليمي للصحراء المغربية ، واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة على صحرائه ، وفتح أكثر من ثلاثين قنصلية في العيون والداخلة ، و أهمية قرار الاتحاد الإفريقي في قمة نواكشوط في العام 2018 ، بحصرية الأمم المتحدة في معالجة ملف النزاع الإقليمي حول الصحراء ، وتأييد منظمات إقليمية ودولية للوحدة الترابية والوطنية المغربية ، كما هو الحال بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية و منظمة التعاون الإسلامي
وهاته كلها محطات دولية هامة تؤشر للتحول الدولي لانتصارات حق المغرب في سيادته على أقاليمه الجنوبية .
– تحيي عالياً كل مكونات الشعبين المغربي و الاسباني التي طالبت بطي صفحات الأزمة بين المغرب و اسبانيا و عملت على إسماع صوتها دفاعًا عن المشترك بين الجارين تاريخًا و حاضرًا و مستقبلًا من أجل تجسير علاقات افريقية – أوروبية مثمرةً اقتصاديًا و اجتماعيًا و ثقافيًا و سياسيًا
– – توجه نداءً لكل الجامعات و المؤسسات الثقافية و الرياضية و الاحزاب السياسية و المنظمات النقابية و تنظيمات المجتمع المدني و المؤسسات الاقتصادية لمواكبة مسارات تجديد الاتصال و التواصل و تعميق العلاقات و توطيدها مع مثيلاتها بدول العالم عموما و اوربا خصوصا و اسبانيا على وجه أخص من أجل دعم التوجه الجديد في العلاقات المغربية – الاسبانية و تثبيت دعائم تطويره و نجاحه لما فيه خير للبلدين و لشعوب المنطقة.
السيدات والسادة الافاضل ،
إننا نسجل باعتزاز مواقف الحكومة الاسبانية بقيادة السيد الرئيس بيدرو سانشيس و مجموعة من الاحزاب السياسية و الفاعلين الاكاديميين و المدنيين و الاقتصاديين و الاجتماعيين و التي تؤسس لعلاقات متجددة بين البلدين على أساس الثقة و الاحترام و مقتضيات المعاملات رابح رابح في مجموعة من القضايا و المشاكل و الإشكالات التي تؤرق المغرب و اسبانيا منها ما يرتبط بالهجرة و الأمن و الاستقرار و البحث و المعرفة و الاقتصاد و غيرها وفق مقاربة تشاركية على أساس خارطة طريق تنطلق من الحاضر و تستحضر الماضي من أجل المستقبل و هو ما ننتظره من زيارات و لقاءات التشاور و التفاهم و التعاقد بين مسؤولي البلدين و ما سينتج عن اجتماع اللجنة العليا في القريب من الايام لما فيه خير للبلدين بعنوان عريض “مرحلة جديدة من الشراكة بين إسبانيا والمغرب” بخصوص كل القضايا ترسيم حدود المجالات البحرية على الواجهة الأطلسية و”تطبيع حركة الأشخاص والبضائع” و“إعادة تنشيط” التعاون الاقتصادي والثقافي بين الطرفين .
إن علاقات مغربية – اسبانية تنبني على ربط الماضي بالحاضر خدمة للمستقبل ومساهمة في إذكاء الروح الوطنية الصادقة لدى مواطنات و مواطني البلدين بأجيالهم المتعاقبة كفيل بضمان استقرار في المغرب بوابة افريقيا و اسبانيا بوابة أوروبا.
الرباط في 16 نونبر 2022