عن الحداثة: هل هي حداثة ممنوعة أم حداثة معطوبة؟

عن الحداثة: هل هي حداثة ممنوعة أم حداثة معطوبة؟
شارك

عبد الحميد الغرباوي

ضمن سلسلة اللقاءات تحت عنوان ( صوت النص)  التي استأنفت الجمعية الثقافية الفنية جذمور تنظيمها بعد انقطاع فرضته الجائحة كان لثلة من المثقفين مساء أمس الأربعاء 16/11/2022، لقاء هو  الخامس والعشرون (25)، مع الكاتب عادل بوتدة ومؤلفه ( Modernité Interdite ).

وقد شاركت بوجهة نظر أقدمها فيما يلي:

في ليلة من الليالي ، وأنا أتصفح الفيس بوك استوقفني قول يُنسب لجلال الدين الرومي:

 » بالأمس كنتُ ذكيا فأردت أن أغير العالم.. اليوم أنا حكيم ولذلك سأغير نفسي »

عنّ لي إثرها سؤال: هل فعلا في زمانه، وفي محطة من محطات حياته الفكرية، كان جلال الدين الرومي يفكر في تغيير العالم؟

و للتأكد، بحثت فوجدت أن كل المواقع تُجمِع على أنه هو صاحب القول.

الملفت للتأمل قوله : أغير العالم

فهل يجوز لنا أن نغامر بالقول إن ما خطه جلال الدين الرومي في عصره، يُحيلنا إلى ما يُصطلح عليه اليوم بـ ( الحداثة)؟..بمعنى أن النواة الأولى للحداثة ظهرت أو سبقت عصر النهضة.

و أن اختزال ( الحداثة) في الزمن الحاضر، أو المرحلة الراهنة، أو العصر الحديث، أو المجتمع المعاصر، يُلغي مفهوما فلسفيا مركبا قوامه سعيٌ إنسانيٌّ، فكريٌّ، فلسفيٌّ لا ينقطع للكشف عن ماهية الوجود، وبحث لا يتوقف أبدا عن إجابات تغطي مسألة القلق الوجودي وإشكاليات العصر التي تثقل على الوجود الإنساني؟..

و إلا كيف وصلت الحضارة البشرية إلى ما وصلت إليه الآن؟

اليوم عندما نبحث في مفهوم الحداثة نجد أنه يُطلق بوجه عام على مسيرة المجتمعات الغربية منذ عصر النهضة إلى اليوم و يغطي مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأدبية. وأنه استقطب اهتمام الأدباء والفلاسفة وعلماء الاجتماع، واحتل مكانه المميز في الأنساق الفكرية الكلاسيكية عند كارل ماركس  K.Marx، وإميل دوركهايم  E.Durkheim، وماكس فيبر  M.Weber، واستطاع لاحقا أن يأخذ مركز الأهمية في أعمال المحدثين، ولا سيما هابرماس  J.Habermas، وجيدن  A.Gidden، وليوتار  J.F.Lyotard، وتورين  A.Touraine.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد: أين موقع، أو، أين تتموقع المجتمعات العربية ـ الإسلامية من / في هذه الحداثة؟

علما أننا نستفيد من التقدم المستمر للعلوم والتقنيات، وثورة التكنولوجيا، هذا التقدم الذي أدخل إلى الحياة الاجتماعية عامل التغيير المستمر والصيرورة الدائمة التي أدت إلى انهيار المعايير والقيم الثقافية التقليدية.

فالحداثة إذا ممارسة اجتماعية ونمط حياتي يقوم على أساسي التغيير و الابتكار.  الحداثة هي الكشف عن منطق خاطئ مضلل ( إلى وقت ما لم يكن منطقا خاطئا مضللا) وإبداع منطق جديد ( هو أيضا سيصبح بعد وقت منطقا خاطئا مضللا) وهكذا تستمر الحداثة، يستمر التغيير، يستمر الإبداع، فالإنسان المفكر المبدع دائم العطش إلى المعرفة.

من أهم ما أتت به الحداثة الغربية وباقتضاب شديد، هو بناء صورة عقلانية للعالم ( خلق بُنى وأنظمة فكرية ومجتمعية واقتصادية وسياسية جديدة والإطاحة بالبُنى والأنظمة القديمة القائمة). فالحداثة فكر يفصل ذاته فصلا حادا قاطعا عن قطاعات الحياة الدينية، وهذا يحمل في طيه فكرة العلمنة وغائيتها العقل الأداتي وليس الدين. فالحداثةُ تعتبر المعتقد الديني خاصية فردية ( مجال خاص بالفرد).

وقد تمكنت الحداثة الغربية فعلا من فصل الكنيسة عن السياسة بعد صراع مرير.

وفي عالمنا الإسلامي الذين يمنعون الحداثة أولئك واللائي يمنعون المرأة من دخول القضاء بحجة أنها تحيض، ويتهيبون من ركوب طائرة قائدها امرأة..وينظرون في دهشة وعجب لفلاحة تقود جرارا.. ويمنعونها حتى من امتطاء حصان كما يمتطيه رجل..

ومع ذلك يمكن القول أن الحداثة في عالمنا الإسلامي، ليست ممنوعة منعا قاطعا وإنما هي حداثة انتقائية ( حداثة معطوبة) بمعنى نقبل منها أشياء ونلغي منها أخرى بحجة أنها لا تُراعي أو تساير تقاليدنا وأعرفنا، وبمعنى آخر أن الحداثة في مجتمعاتنا لا تلغي جملة من التقاليد والأعراف التي لا يمكن الاستغناء عنها بأي شكل من الأشكال..

كلمة أخيرة: كنت، وأنا بصدد كتابة وجهة نظري، قد اختلفت مع ترجمة ( Modernité intérdite) إلى ( حداثة معطوبة) لكني في ختام هذه الورقة خلصت إلى أنها فعلا حداثة معطوبة.

إن كل تغيير أو حداثة يبدأ من الفرد.

 » بالأمس كنتُ ذكيا أفكر في تغيير العالم، اليوم أنا حكيم ولذلك سأغير نفسي » صدقت مولانا جلال الدين الرومي.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *