تأثير الأحزاب السياسية على تطور الديمقراطية في المغرب

تأثير الأحزاب السياسية على تطور الديمقراطية في المغرب
شارك

بقلم محمد خوخشاني، قيادي سابق في حزب التقدم والاشتراكية.

مقدمة

الديمقراطية هي نظام سياسي يعتمد على مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار، وخاصة من خلال الانتخابات الحرة والمنتظمة. الأحزاب السياسية، كمؤسسات مؤطرة للمواطنات والمواطنين، هي المسؤولة عن الإشراف على هذه المشاركة، وتمثل مصالح المواطنين، والمساهمة في ممارسة السلطة. في المغرب، منذ الاستقلال في عام 1956، استثمرت الأحزاب السياسية في المشهد السياسي تدريجياً، في سياق يتميز بالتطورات المؤسساتية الكبرى.

ومع ذلك، على الرغم من دينامية الحياة الحزبية نسبيًا والتعدد الحزبي، فإن الأحزاب السياسية المغربية ما زالت تكافح من أجل لعب دورها بالكامل في التوحيد الديمقراطي. هذا يثير سؤالًا رئيسيًا: إلى أي مدى ساهمت الأحزاب السياسية المغربية في التطور الديمقراطي للبلاد، وما هي العراقيل التي واجهتها خلال المسلسل الديمقراطي الذي انطلق منذ استرجاع حرية البلاد والعباد؟

لمحاولة الإجابة على هذا السؤال الشائك، سنقوم أولاً بتحليل مساهمات الأحزاب السياسية في البناء الديمقراطي للمغرب، قبل تسليط الضوء على الأسباب الهيكلية التي تعيق فعاليتها لنختم التحليل ببعض الاقتراحات حول آفاق تحسين مردودية الأحزاب كمنظمات سياسية قوية لا غنى عنها للوصول إلى ديمقراطية حقة تجعل المغرب في مصاف الدول التي تمارس فيها، عن جدارة واستحقاق، الديمقراطية.

أولاً. مساهمة حقيقية في البناء الديمقراطي

أ. ظهور الأطراف في سياق ما بعد الاستقلال

من السنوات الأولى من الاستقلال، لعبت أحزاب مثل حزب الاستقلال والحزب الشيوعي المغربي والاتحاد الوطني للقوات الشعبية دورًا هيكليًا في تشكيل الضمير السياسي الوطني. كان عملهم ضروريًا في توحيد المساحة السياسية التعددية والإشراف على المطالب الشعبية.

سمحت هذه الأحزاب للمواطنين بالتعرف على الأيديولوجيات السياسية، والتعبئة من أجل الأسباب الجماعية، والوصول إلى شكل من أشكال التعبير السياسي المشروع في دولة تحررت نسبيا من الاستعمار.

ب. التعددية السياسية والمشاركة الانتخابية

يوجد في المغرب أكثر من 30 حزبًا سياسيًا اليوم، يغطي طيفًا أيديولوجيًا متنوعًا: الإسلاميون، القوميون، الديمقراطيون الاجتماعيون وآخرون. تتيح هذه التعددية نقاشًا سياسيًا مفتوحًا نسبيًا، وتعزز تمثيل التيارات المتعددة للمجتمع المغربي.

تلعب الأطراف أيضًا دورًا رئيسيًا في المشاركة الانتخابية. من خلال الحملات الانتخابية وعرض المرشحين للانتخابات المحلية والإقليمية والجهوية والتشريعية، فإنها تسهل التعبير عن الاقتراع الشامل، وهو أساس أي نظام ديمقراطي.

ج – أطراف كجهات فاعلة للإصلاحات الديمقراطية

دعمت بعض الأطراف بنشاط الإصلاحات السياسية الرئيسية في البلاد، بما في ذلك الإصلاح الدستوري لعام 2011. لقد جعل هذا الأخير من الممكن تعزيز صلاحيات البرلمان، وتكريس المزيد من الحقوق والحريات، وزيادة مسؤولية المسؤولين المنتخبين.

يرمز حزب العدالة والتنمية، الذي وصل إلى السلطة بعد هذا الإصلاح، إلى نقطة تحول حيث أصبح أول حزب إسلامي يقود الحكومة في سياق عملية انتخابية شفافة بعد المصادقة على دستور 2011.

ثانياً. واجهت الأحزاب السياسية حدود هيكلية

أ. ضعف العلاقة بين الأطراف والمواطنين

على الرغم من وجودها المؤسساتي، فإن غالبية الأحزاب المغربية تعاني من نقص في التغلغل في النسيج الاجتماعي. إنهم يكافحون من أجل جذب نشطاء جدد، وخاصة من بين الشباب، والحفاظ على علاقة وثيقة مع الناخبين خارج الفترات الانتخابية.

هذا العجز الشرعي الشعبي يضعف قدرة الأحزاب السياسية على تمثيل مصالح السكان بفعالية.

ب. التجزئة وعدم الاستقرار السياسي

يؤدي انتشار الأطراف وغياب الانقسامات الأيديولوجية الواضحة إلى تجزئة المجال السياسي. ينتج عن هذا في كثير من الأحيان تحالفات حكومية غير متجانسة وغير جديرة، وبالتالي غير فعالة لإجراء سياسات عامة طموحة ومستقرة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التحالفات الحزبية تمليها أحيانًا الحسابات الانتخابية، على حساب الرؤية والبرنامج.

ج. وزن الملكية والإدارة

على الرغم من الإصلاحات، تظل السلطة التنفيذية بين يدي المؤسسة الملكية، التي تحتفظ بالسيطرة على الملفات الاستراتيجية من أمن ودبلوماسية واقتصاد. مما يقلل من استقلالية الانتخابات وبالتالي الحكومات المنبثقة عنها.

بالإضافة إلى ذلك، تحتفظ الإدارة العامة دورًا مهمًا للسيطرة، لا سيما من خلال ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، مما يحد في بعض الأحيان من نسبة مناورة المنتخبين المحليين.

ثالثاً. ما هي احتمالات تعزيز دور الأحزاب؟

أ. إصلاح النظام الحزبي

من الضروري ترشيد المشهد السياسي من خلال تشجيع دمج أو اختفاء الأحزاب دون قاعدة شعبية حقيقية أو برنامج سياسي. بالتوازي، يجب تعزيز الديمقراطية الداخلية للأطراف للسماح بظهور قادة جدد من ذوي الاختصاص والكفاءة.

ب. إعادة تقييم مشاركة المواطن

يجب على الأطراف تحسين اتصالاتها، وتدريب نشطائها، وانفتاح المزيد من الشباب والنساء على الشأن السياسي حتى تتم مساعدة المواطنين على استعادة الثقة في المؤسسات.

ج – توازن القوى في النظام السياسي

بالنسبة للديمقراطية الأكثر أصالة، من الضروري توضيح المسؤوليات بين المؤسسات المختلفة، وتعزيز استقلال المسؤولين المنتخبين، وتقليل التدخلات الإدارية في العملية السياسية. يتضمن هذا إرادة سياسية على مستوى القمة وتجاوب القاعدة، ولكن أيضًا من خلال الضغط المدني المستمر والإعلامي.

خاتمة

ساهمت الأحزاب السياسية المغربية في التطور الديمقراطي للبلاد، وخاصة من خلال بناء التعددية والمشاركة الانتخابية والاتزام بالإصلاحات. ومع ذلك، فإنها يعانون من نقاط الضعف الهيكلية، مثل الافتقار إلى الدعم الشعبي ، والتفريخ الحزبي إضافة إلى إرادة ملموسة لدى المؤسسة الملكية للحد من انتقاذات أصدقاء وخصوم المغرب للنموذج السياسي المغربي.

إن تعزيز الديمقراطية في المغرب ينطوي حتماً على تنشيط دور الأحزاب، بناءً على الشفافية والإدماج والإصلاح المؤسساتي ومشاركة المواطن النشط. لذا بدون أحزاب سياسية قوية وممثلة وذات مصداقية، تظل الديمقراطية واجهة هشة.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *