الغياب كأفق للمعنى: دعوة لقراءة كنفاني، حيدر حيدر، جبرا، وغالب هلسا.

مصطفى المنوزي
الرواية العربية الحديثة ليست مجرد حكايات تُروى، بل فضاءات للسؤال عن المصير. وإذا كانت القضية الفلسطينية قد شكّلت منبعًا أساسيًا لهذا الأدب، فإنها لم تقتصر على تسجيل الألم أو الهزيمة، بل تحولت إلى مختبر سردي وفكري لاستنطاق معنى الغياب والوجود، الالتزام والانكسار، البحث والسؤال.
من بين الأعمال الروائية التي تستحق أن تُقرأ اليوم بعيون جديدة، نجد:
« رجال في الشمس » (غسان كنفاني)،
« الزمن الموحش » (حيدر حيدر)،
« البحث عن وليد مسعود » (جبرا إبراهيم جبرا)،
و* »رواية السؤال »* (غالب هلسا).
هذه النصوص الأربعة، على اختلاف تقنياتها ورؤاها، تتقاطع في كونها محاولات لفهم الإنسان العربي وهو يواجه غيابه الأكبر: غياب الوطن، غياب المعنى، وغياب الفعل.
- كنفاني: المأساة في الفعل الغائب
في « رجال في الشمس »، يتركنا غسان كنفاني أمام سؤال قاسٍ: لماذا لم يدق الفلسطينيون جدران الخزان؟ هنا الموت الجماعي يصبح رمزًا لعجز جيل كامل عن تحويل المأساة إلى فعل. إنها رواية النهاية المغلقة، حيث الغياب يعني الموت والانطفاء.
- حيدر حيدر: مأساة المثقف الممزق
في « الزمن الموحش »، يواجه القارئ وجع المثقف العربي بعد الهزائم، ممزقًا بين الانتماء والاغتراب، بين الالتزام والخذلان. الرواية تجسد صرخة وجودية ضد العدمية: كيف يمكن للذات أن تحيا في زمن الانكسار؟
- جبرا: الغياب كولادة للبحث
في « البحث عن وليد مسعود »، يغيب البطل لكنه يظل حاضرًا في مرايا الآخرين. كل شخصية تحكي عنه فتكتشف نفسها في الوقت ذاته. وليد ليس شخصًا، بل رمزًا لفلسطين الغائبة الحاضرة، والبحث عنه هو بحث عن هوية ومصير. هنا الغياب ليس موتًا، بل أفقًا مفتوحًا للمعنى.
- هلسا: السؤال الذي لا ينتهي
في « رواية السؤال »، يذهب غالب هلسا إلى قلب المأزق: لا أجوبة نهائية، بل أسئلة تتكاثر حول جدوى الالتزام السياسي والفكري بعد الانكسارات. النص يتحول إلى ساحة جدل فكري، حيث يعيش المثقف مأساة السؤال الدائم، سؤال لا يكتمل ولا يتوقف.
تركيب مفتوح
مع كنفاني: الغياب يعني الفعل الغائب والموت.
مع حيدر: الغياب يعني تمزق المثقف وعجزه عن الانتماء.
مع هلسا: الغياب يعني سؤالًا مفتوحًا بلا جواب.
مع جبرا: الغياب يتحول إلى أفق للبحث والحضور الرمزي.
دعوة للقراءة
قراءة هذه الروايات ليست مجرد عودة إلى نصوص كلاسيكية، بل عودة إلى أسئلتنا اليوم: ما معنى أن نبحث عن وطن لا يزال بعيدًا؟ كيف نعيد تعريف المثقف بعد الخيبات؟ وكيف يمكن للغياب أن يتحول إلى أفق للمعنى بدل أن يكون مجرد موت؟
إنها دعوة مفتوحة لقراءة كنفاني، حيدر حيدر، جبرا، وهلسا، لا كتجارب معزولة، بل كـ مرايا متقابلة تضيء بعضها بعضًا، وتدعونا لأن نعيد التفكير في حاضرنا الثقافي والسياسي من خلال نصوص كتبت..