الإعلام المغربي: ساحة صراع السرديات وتنازع التمثلات الأمنية بين فوبيا الخارج وابتزاز الداخل..

الإعلام المغربي: ساحة صراع السرديات وتنازع التمثلات الأمنية بين فوبيا الخارج وابتزاز الداخل..
شارك

مصطفى المنوزي

منسق منتدى حوكمة السرديات الأمنية

تقديم إشكالي

لم يعد المشهد الإعلامي في المغرب مجرد وسيط لنقل الأخبار أو التعبير عن الآراء، بل تحوّل إلى ساحة لصراع السرديات وتنازع الأجهزة، حيث يتنافس الفاعلون الداخليون والخارجيون على احتكار « الحقيقة » وعلى توظيفها. فبينما تحررت الصحافة جزئيًا من التابوهات القديمة كالحديث عن مرض الملك، لا تزال تواجه محاسبة صارمة على هفوات هامشية كالخطأ في ذكر سنّه. وفي الوقت الذي تستثمر فيه الدولة موارد كبيرة لبناء رواية إعلامية موحدة ومستقرة، تظلّ تتوجس من الإعلام الأجنبي الذي يفرض روايات مضادة عبر تقارير وتسرّبات غالبًا ما يكون مصدرها دوائر داخلية. وهكذا، بينما يُموَّل الإعلام المحلي بالدعم العمومي، يبقى عرضة لضغوط خارجية مموهة بمصالح سياسية واقتصادية.

اولا: صحافة الإثارة وفوبيا الإعلام الأجنبي: صراع السرديات وتنازع الأجهزة

لم تعد المفارقات في المشهد الإعلامي المغربي مجرد أخطاء تقنية أو هفوات مهنية، بل أصبحت مؤشرًا على صراع أعمق على السرديات. فبينما تخطت الصحافة المحلية عقدة التحدث عن مرض الملك، لا تزال محاسبة على أخطاء صغيرة مثل ذكر سنّه خطأ. وفي حين تسعى الدولة لبناء رواية إعلامية مستقرة، تعاني من هواجس تجاه الإعلام الأجنبي الذي يقوض ذلك عبر تقارير وتسرّبات تتعارض مع الرواية الرسمية.

هكذا يتجلى أن الإعلام لم يعد مجرد منصة للتنافس بين الداخل والخارج، بل تحوّل إلى مرآة تعكس تنازع الأجهزة وصراع التسريبات: من يملك المعلومة؟ ومن يتحكم في سرد الحقيقة؟ وهل نملك إعلامًا يحرر الوعي أم إعلامًا يُوظف كأداة في صراعات القوى الخفية؟

ثانيا: الإعلام كساحة لصراع السرديات وتنازع الأجهزة

إذا كان الإعلام يُصوَّر كمرآة للمجتمع، فإنه في الواقع يمثل فضاءً تتصارع فيه الأجهزة المختلفة لفرض رواياتها. ويمكن رصد ثلاث مفارقات كبرى تعكس هذا التنازع:

  1. المحرّمات الرمزية: فالتحرر النسبي من التابوهات الكبرى يقابله تشدد في التفاصيل الثانوية، مما يكشف استمرار هيمنة اللعبة الرمزية للسلطة.
  2. الاحتكار الداخلي والفوبيا الخارجية: فالسعي لبناء رواية وطنية موحدة يصطدم بخوف مبالغ فيه من الروايات المضادة التي يبثها الإعلام الأجنبي، والتي غالبًا ما تعتمد على تسريبات داخلية.
  3. الدعم والابتزاز: فالإعلام المحلي يعتمد على التمويل العمومي، بينما يتعرض لضغوط خارجية مموهة بمصالح سياسية واقتصادية.

لكن يبدو أن جوهر الصراع أعمق من ذلك؛ فالأجهزة نفسها تتقاتل عبر الإعلام:

  • تسريبات تُستخدم لإضعاف جهاز منافس.
  • تقارير دولية تعكس صراعات داخلية.
  • والنتيجة هي تضارب في روايات « الحقيقة » بين الرواية الرسمية والمعارضة وأجهزة الدولة.

من منظور سوسيولوجي-سيميولوجي، يمكن قراءة هذه الظاهرة كصراع على المعنى: فالإعلام لم يعد ناقلًا محايدًا، بل أداة لإدارة التوازنات، حيث تتحول المعلومة إلى سلاح، والخطأ الصحفي إلى ذريعة، والتسريب إلى وسيلة لإعادة توزيع القوة.

معالجة سيميولوجية: العمل على سرعتين

من المنظور السيميولوجي، تتجاوز القضية نقل الأخبار إلى تأطير الرموز التي تربط الماضي بالمستقبل. ويتطلب الخروج من هذه الأزمة العمل على مستويين:

  • السرعة الأولى: القطع مع إرث الماضي

    من خلال استكمال توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة: كشف الحقيقة، جبر الضرر، وضمان عدم التكرار.

    رمزيًا: التحرر من الصور النمطية التي قيدت المخيال الجمعي (فوبيا السلطة، التابوهات، الهشاشة أمام الإعلام الخارجي).

  • السرعة الثانية: إصلاحات جديدة

    إصلاحات تستجيب للتحولات الجارية: سياسيًا وديموغرافيًا وديمقراطيًا.

    رمزيًا: إعادة تعريف العلاقة بين الإعلام والسلطة، والانتقال من صحافة الإثارة إلى صحافة المعنى، ومن منطق الوصاية إلى ضمير عمومي حر.

وبهذا يصبح الإعلام مرآة لمشروع مزدوج: يعالج جراح الماضي ويبني ذاكرة جديدة قائمة على الديمقراطية والحوكمة.

 وختاما فقد أظهر التحليل أن التوتر بين صحافة الإثارة وفوبيا الإعلام الأجنبي ليس مجرد إشكال تقني، بل تعبير عن أزمة بنيوية في شرعية المعنى وسلطة السرد. فالإعلام لم يعد وسيطًا محايدًا، بل تحوّل إلى ساحة لتصفية الحسابات الرمزية بين الأجهزة.

ولن يُحل هذا الإشكال بإجراءات ظرفية أو بتضييق الحريات، بل عبر تكريس دولة المؤسسات والدستور، التي تضمن شفافية المعلومة واستقلالية الإعلام، محليًا ودوليًا.

وختامًا، فإن الحل العملي والتربوي يكمن في:

  • تجاوز منطق التعليمات الفردية.

 . الحرص على عدم إقحام الحقيقة القضائية

  • ترسيخ حكم القانون والمؤسسات.
  • تحرير الإعلام ليكون فضاءً حقيقياً لإنتاج المعنى وتداول الحقيقة.

 يستعيد الإعلام دوره كضمير جماعي، يصبح قادرًا على بناء الثقة

واستشراف المستقبل بدل الانكفاء على صراعات الماضي. ولذلك وجب التذكير والتركيز على أن  الحل يكمن  في تكريس دولة المؤسسات الدستورية بدلا من دولة التعليمات الشخصانية والسرديات التأويلية ضمانا لأي انتقال سلس بما فيه الانتقال الأمني ، بعلة أن لكل مرحلة مهندسوها الأمنيين، ويظل الانتقال السياسي السلس داخل نفس المنظومة والعقيدة  ، كحق يراد به أحيانا باطل  ، يتردد في ظل صعوبة تكرار سيناريو  حكومة التناوب التوافقي والتي لا يمكن أن تماثلها أية حكومة بما فيها   » حكومة المونديال »   المضخمة الخطاب والوعود! فليست دائما كل الوسائل تبرر الغايات.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *