من تجربة اليوسفي إلى سقوط بنكيران. حين تسقط الأقنعة باسم الوطن.

من تجربة اليوسفي إلى سقوط بنكيران. حين تسقط الأقنعة باسم الوطن.
شارك

عزيز الدروش

في السياسة، لا تسقط الأقنعة دفعة واحدة، بل تسقط حين توضع على المحك. وتجربة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فيما يسمى تجربة التناوب السياسي التوافقي لسنة 1998، التي قُدمت للشعب المغربي كـ تناوب توافقي، لم تكن سوى لحظة الحقيقة التي كشفت عورة حزبٍ ظلّ لسنوات طويلة يتغنى بالاشتراكية والنضال، وهو في العمق مجموعة بشرية تطمح إلى اقتسام السلطة!

 غير أن أول اختبار حقيقي لهذا الحزب، عندما دخل حكومة عبد الرحمن اليوسفي، أثبت أنه لا يملك لا التنظيم الصلب ولا المشروع السياسي ولا المجتمعي، ولا حتى الجرأة السياسية على مواجهة الدولة العميقة. فبدل أن يكون الدخول إلى الحكومة لحظة انتقال ديمقراطي حقيقي ومبنية على تعاقد سياسي واضح ومدروس وتم مناقشته في أجهزة الحزب والمصادقة عليه والتوافق مع شركائهم في التجربة، أصبح التناوب مجرد « تنازل » مجاني، بل الأخطر من ذلك أنه تحوّل إلى غطاء لخوصصة المؤسسات العمومية والتراجع عن المكتسبات الاقتصادية التي ضحى من أجلها الشعب، وتفكيك ما تبقى من السيادة الاقتصادية للدولة.

والأدهى أن الحزب بعد انتخابات 2002، والراجع عن المنهجية الديمقراطية لم يُكلّف الحزب نفسه حتى عناء العودة إلى قواعده التنظيمية لمناقشة التجربة، أو لتقييم الكارثة. لم يسأل الاتحاد نفسه: هل نستمر في هذا العبث السياسي أم ننسحب؟ هل نخدم الوطن فعلاً، أم نشارك في خداعه؟ وهو ما يبيّن بالملموس أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يكن يوماً حزباً سياسياً حقيقياً بالمفهوم الحديث، بل مجرد تجمع انتهازي فوقي فاقد للهوية التنظيمية والسياسية.

ولأن التاريخ يعيد نفسه، لكن على شكل مهزلة، جاءت سنة 2016 لتفضح نسخة أخرى من الوهم، وهذه المرة باسم ما يسمى الإسلام السياسي. حزب العدالة والتنمية الذي قدّم نفسه طيلة سنوات بأنه صوت الشعب والمستضعفين، انكشف

على حقيقته بعد أن تذوّق طعم السلطة. وظهر أن الحزب لم يكن سوى « تعاونية سياسية » تضم خليطًا من الانتهازيين والمرتزقة، لا يهمهم لا الوطن ولا الناخب، ولا حتى القسم الدستوري الذي أدّوه أمام الملك.

عندما أُعفي عبد الإله بنكيران من تشكيل الحكومة، وتقرر تعويضه بسعد الدين العثماني، لم يُكلّف الحزب نفسه هو الآخر العودة إلى المجلس الوطني لمناقشة هذا التطور الخطير. لم يحتكم إلى مؤسساته، ولم يُشرك مناضليه في القرار، بل قبل بالأمر الواقع بصمت خانع. وبهذا، كرر حزب العدالة والتنمية نفس السقطة التنظيمية والسياسية التي سقط فيها الاتحاد الاشتراكي قبله، مؤكداً أن بنيته الحزبية ليست أكثر من واجهة تُدار من فوق، لا تحترم الديمقراطية الداخلية، ولا تمثل إرادة القواعد ومن انتخبهم.

إن تجربتي الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية، تؤكدان أن ما يُسمى بالأحزاب السياسية في المغرب، في معظمها، ليس إلا واجهات شكلية تُستعمل وقت الحاجة لإضفاء الشرعية على قرارات معدّة سلفًا. ليست تنظيمات حقيقية، بل أدوات للضبط السياسي وخداع المواطن.

ولذلك، فإن مطلب إصلاح الحياة السياسية لا يمكن أن يمر إلا عبر محاسبة من باعوا أوهام التغيير، لا عبر إعادة تدويرهم كما يحصل اليوم، حين يتصدر بعضهم الواجهات الإعلامية والانتخابية من جديد، وكأنهم لم يشاركوا في صنع الخراب هذا الوطن.

من المستحيل بناء دولة قوية وديمقراطية وعادلة بمؤسسات وأحزاب ينخرها الفساد والاستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى..

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *