اليد الممدودة للتعاون الاقتصادي والسلمي.. يضع الجزائر بين خيارين.. الامتثال للتاريخ ام العزلة.

ابراهيم اعمار، فاعل إعلامي الداخلة
إن الفضاء المغاربي اليوم اضحى ينعم بمقومات بناء وجود وحدوي حقيقي، صقلتها أيام التاريخ ومراحله الأخيرة، وكل كيان عضو في الاتحاد المغاربي والإفريقي خضع لتغيرات عميقة ساهمت في توجهات جديدة في الاقتصاد والفكر والسياسة. مميزاتها الأساسية: الانفتاح الاقتصادي والحرية السياسية والتعدد الثقافي والدمقرطة الشمولية،
وابرزت لنا صيرورة هذه التغيرات تشكيل لمستقبل مغاربي وإفريقي.. إن كيانات الإتحاد وجدت نفسها امام توجه عالمي جديد يضعها بين خيارين: الامتثال للتاريخ والانخراط في مسار التوجه العالمي، لخدمة مصالح شعوبها وتوسيع دائرة المشاركة في كافة مؤسسات القرار السياسي والتنموي والامني؛ أو الدخول في حرب اهلية تخريبية يمتطيها قرباء وينشرون القتل والهمجية والفوضى التي تهدد الاقتصاد المغاربي الإفريقي، ويخدرون اتباعهم بأفكار وهمية.
ان الأمر مرتبط بعاملين رئيسين:
الأول -العديد من النزاعات الإقليمية في الإتحاد تعاني من تدخلات خارجية مباشرة وغير مباشرة.
العامل الثاني- هو النشاط الكبير لشبكات الإرهاب المسلحة المصطنعة والمهددة للسلم والاستقرار والامن في العديد من بلدان الإتحاد المغاربي والإفريقي..
فلا يمكن فصل قضية الصحراء المغربية عن هذين العاملين المؤثرين في تشكيل المستقبل المغاربي والإفريقي.. إذا كان هدف الإتحاد هو بناء قوة اقتصادية فاعلة ومستقلة من خلال بلدان تنعم بالاستقرار والسلم والتنمية، فلا يمكن قبول مسعى مغرض يستهدف وحدة وسلم واقتصاد دولة شقيقة وفاعلة بعلاقاتها الدولية وقوتها الصناعية الاقتصادية والتجارية وهي المغرب.
وبتعبير اخر، أن البناء الصادق للاتحاد يجب أن ينطلق من رفع اليد الجزائرية عن قضية الصحراء المغربية.. وبذلك تكون دول الإتحاد قد انسجمت مع أهداف تشكيل المستقبل المغاربي والإفريقي الخالي من ترسبات الحرب بالوكالة، والذي هو جزء لا يتجزأ من التوجه العالمي.
إن هذه الصورة الحية القائمة اليوم ليست نسجا أيديولوجيا ولا استنتاجا استراتيجيا، يرسمه خبراء او حكام او معاهد التحليل، بل هو صورة فرضت وستظل تفرض نفسها بقوة على كل كيان من كيانات الإتحاد، إنها درس ماثل امامنا.. ليبيا تتناحر من اجل سلم وسلام مفقودين، وشبكات مسلحة تتقاتل في مالي.. وصولا الى تبني الجزائر لصنع كيانات قبلية مسلحة مناوئة لوحدة دول بلدانها، واحتضان المليشيات التي تمس باستقرار دول الإتحاد، وتسويقها تحت مسميات استعمارية محضة؛ لهدف إبقاء اليد الاستعمارية بدول الاتحاد والصحراء المغربية، ويتم تسهيل عملية التجزيئي الاستعماري للمغرب. ورفض الجزائر للحلول السياسية التوافقية والمرضية للحلول الواقعية والعملية. وعدم استيعاب مسار الإصلاح السياسي في المغرب ومصر وتونس انسجاما مع مطامح شعوبهما، والمجهودات الجبارة التي قطعتها موريتانيا من اجل الانفتاح السياسي والبناء الديمقراطي وتأمين حدودها السيادية من دخول المليشيات المسلحة التي تهدد أمن واقتصاد شعوب ودول شريك اقتصادي وأمني لها.
إن هذا التاريخ الجديد داخل الفضاء المغاربي الإفريقي يرسم نموذجه الجديد، وسيجرف كل رواسب الهياكل التي تعيق المجرى الذي أعلن ميدانيا من خلال احداث تغيرات تهم التقدم الديمقراطي والتنموي والاقتصادي والاجتماعي، وفكريا من خلال حتمية توسيع الحريات الفردية، والتعايش السليم. وهي في نهاية المطاف ليست سوى آليات النمو والتحديث والارتقاء الى حق الدول الفاعلة والناجحة بالمعيار الدولي الجديد.
كما ان البناء الاقتصادي الجديد لكل كيان في الظرف الدولي الذي يشهد تكتلات ضخمة، لا يمكن له ان يحيا وينمو بدون إندماجات وتكتلات دولية قوية صنفت من خلال تجارب النمو الاقتصادي العالمي، انها مفاتيح اساس احداث نقلة نوعية في التطور الديمقراطي والاقتصادي والسياسي.
بمعنى أن مؤهلات إحياء الفضاء المغاربي الإفريقي في غالبيتها العظمى هي الآن حاضرة. كما ان العديد من الدول وعلى رأسها المغرب بينت مستوى حجم دبلوماسيتها الكبير في تثبيت حقها الوطني، في المؤسسات الدولية. وبنت ارتباطات مميزة وعلاقات دولية عميقة وقوية. يشكل الاقتصاد فيها عماد المسألة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وبناء على هذه النظرة المستقبلية الإيجابية والانسجام مع الأمر الوقع، جاءت دعوة جلالة الملك محمد السادس نصره الله الى الجزائر قصد الانخراط الثنائي وصولا الى الانخراط المغاربي والإفريقي الأشمل، لتقوية تنمية وامن دول الإتحاد وحل منازعاتها الداخلية والخارجية وفق اسس سليمة وموضوعية التي بدون حلها لن تتقوى دول الإتحاد على خدمة شعوبهما. وعلى هذا الأساس تبنى الدعوة السليمة التي تقدمت بها الدبلوماسية المغربية الحكيمة والمتبصرة بقيادة الملك محمد السادس نصره الله وحفظه من كيد الكائدين. حين قال في خطاب عيد العرش 2025: » بموازاة مع حرصنا على ترسيخ مكانة المغرب كبلد صاعد، نؤكد التزامنا بالانفتاح على محيطنا الجهوي وخاصة جوارنا المباشر في علاقتنا بالشعب الجزائري الشقيق. وبصفتي ملك المغرب فإن موقفي واضح وثابت؛ وهو ان الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين والجغرافيا والمصير المشترك. لذلك حرصت دوما على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسرول؛ حوار أخوي وصادق حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين.. وإن التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر نابع من إيماننا بوحدة شعوبها، وقدرتنا سويا على تجاوز هذا الوضع المؤسف. كما نؤكد تمسكنا بالاتحاد المغاربي واثقين بأنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر مع باقي الدول الشقيقة. ومن جهة أخرى فإننا نعتز بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد النزاع حول الصحراء المغربية ».
فهذه الدعوة التي عبر عن رفع الأداء العالي للدبلوماسية المغربية تجاه دول الجوار في محطات دولية عديدة. وجعل السياسة في خدمة الشعوب، ومفهوم دبلوماسية الاقتصاد والتنمية. هي حجة تاريخ واضواء كاشفة لتجسيد ما نسيه حكام الجار الشقيق والتاريخي من أسس وسبل الصلح والتصالح. لتذويب عقد الماضي واستشراف المستقبل. مخلفات الحرب الباردة وحرب الرمال. وهو ما شهد به المنتظم الدولي عند الأمم المتحدة، واشادت به قرارات مجلس الامن والمنظمات الدولية النافذة في اقتصاديات العالم.