العمل الجمعوي الجاد ودوره في المجتمع
محمد الزهراوي.
يعتبر العمل الجمعوي الجاد أحد الجوانب المهمة في تنمية المجتمعات وتحسين جودة الحياة لأفرادها. ويتمثل في إبداع أعمال غير ربحية ومتطوعة تهدف إلى مساعدة الآخرين وتحقيق فائدة عامة للمجتمع بأكمله.
فالعمل الجمعوي الجاد يعمل على تعزيز روح التعاون والتضامن في المجتمع. عن طريق الانخراط في أعمال جمعوية، يتعلم الأفراد كيفية العمل معًا كفريق واحد وتنفيذ مشاريع تهدف إلى النهوض بالمجتمع بأكمله. هذا التعاون يعزز الروابط الاجتماعية ويقوي العلاقات بين الأفراد ويؤدي إلى إحساس بالانتماء والتكافل.
كما يعمل العمل الجمعوي الجاد على تحسين جودة الحياة للأفراد في المجتمع. عن طريق توفير الدعم والمساعدة للفئات المنتمية والمستهدفة التي أسست من أجله الجمعية.
ونظرا للتطور التاريخي للإنسانية، جعل الأسرة غير قادرة على القيام بجميع وظائفها التي كانت توفرها العائلة، انتظم الأفراد في مؤسسات اجتماعية قصد مواجهات المشاكل والمصاعب التي تواجهها، ومن بين هاته المؤسسات نذكر الأحزاب ، النقابات، المنظمات، الخيريات، التعاونيات، الجمعيات…وهذا ما أكده ابن خلدون بقوله: [إن الاجتماع الإنساني ضروري]، هذه المؤسسات التي تدخل الجمعيات في ضمنها، تشكل أحد الشروط الأساسية لتدعيم مجتمع مدني مسؤول يشارك في تخليق الحياة العامة وبالتالي في تطوير المجتمع ونموه.
والجمعية ببساطة هي جماعة من الأفراد انبثقت عنهم رغبة للقيام بنشاط معين لفائدتهم، أو لفائدة فئة معينة ولفائدة مجتمعهم في إطار من التعاون، والتآزر، والتكافل، والتضامن مما يؤدي إلى خلق ديناميكية ونشاط بين مجموعة أفرادها، فوجود تنظيم يعني وجود أفراد تربطهم علاقات والتزامات مؤطرة بقوانين داخلية، وقوانين عامة للجمعية، في إطارها يقومون بأنشطة تحقق الأهداف المسطرة، وهي التي تضمن الاستمرار والاستقرار المبنيان على الالتزام الذي هو: الواجب والحق.
وللجمعية تأثير نفسي على أفرادها، حيث توفر لهم ما يطورهم وينميهم نفسيا وفكريا في إطار علاقات نفسية وعاطفية يسودها التفاعل الإيجابي، والاحترام المتبادل، والتدافع الفكري، والاختلاف النظري، كما تخلق مجموعة من الأفراد المتجانسين والمتقاربين من حيث الأهداف والغايات، نتيجتها الحصول على منفعة خاصة وعامة في آن.
وتختلف أهداف الجمعيات حسب نوعيتها أو تخصصها ( جمعيات نسائية، جمعيات طلابية، جمعيات الطفولة، جمعيات ثقافية، جمعيات مهنية، جمعيات بيئية، جمعيات حقوقية….)، فكل جمعية تحاول تحقيق أهدافها عن طريق ممارسة نوع من التخصص، الشيء الذي يميزها عن باقي الجمعيات الأخرى، أو التنظيمات الأخرى.
ومهما كانت قوة الجمعية فإنها لا تقوم مقام الأسرة التي هي البيئة الأساسية لتنشئة الفرد وتكوينه، كما لا يمكن أن تعوض مؤسسات الدولة، التي تعتبر المؤطر الأساسي للمجتمع، والفاعل الحقيقي فيه. فالعمل الجمعوي تطوعي، يمارس في أوقات الفراغ، ويعتمد على الأسلوب الديمقراطي، والتسيير الجماعي في فريق منسجم مبني على الإقناع والاقتناع، داخل وحدة نقض وحدة.
ومن بين الأسس، أو المبادئ التي تؤطر العمل الجمعوي، نذكر منها:
- مبدأ الاختيار: الذي هو فعل ذاتي يمارسه الفرد من محض إرادته بعيدا عن الإكراه أو الإجبار. يستمر فيه إن وجد ما يلبي حاجياته ورغباته، وإما ينسحب وينقطع.
- مبدأ التطوع: وهو العمل الذي يتميز به العمل الجمعوي دون سواه، وهو سلوك ينبع من ذات الفرد، ومن ثقافته وحضارته وأخلاقه ومبادئه، إنه عمل يهدف إلى مساعدة الآخر طواعية دون ربح مادي، وبدوافع نبيلة، تجعل الإنسان يحس بالطمأنينة والسعادة والفرح لتتحقق أسمى القيم الإنسانية، ألا وهي الإيثار والعطاء وحب الخير. فالمقابل الذي ينتظره المتطوع هو أن تحقق جمعيته الأهداف المرجوة والمسطرة في برامجها.
- مبدأ المشاركة: وهو ينطلق من ضرورة وجود وعي لدى الفرد ليعرف ويحدد ما يمكن أن يشارك به، وما يمكن أن يقدمه في الزمان والمكان، وبالوسائل التي يمتلكها ويعمل بها ويتميز بها. والمشاركة ليست مشاركة كمية جماهيرية عرضية، بل هي مشاركة كيفية ونوعية تعترض وجود التزام بنوعية العمل المطلوب.