مفارقات المواقف

بقلم ميمونة الحاج داهي
لا يمكن ان ندعي الواقعية ونحن نجمل الفشل، ولا ان نحتمي بالسياق ونحن نتهرب من المكاشفة.
من يقرأ خطاب بعض وجوه الاتحاد الاشتراكي اليوم، يخيل اليه ان الحزب في مرحلة انتقالية طبيعية، وان كل ما يحدث من تراجع في الحضور والموقف والتأثير، مجرد تكيّف عقلاني مع الواقع، وان المقارنة مع الماضي ظلم لهذا الحاضر المختلف.
لكن الحقيقة التي لا نملك ترف انكارها: الاتحاد الاشتراكي ليس كما كان، ولا كما يجب، ولا حتى كما يفترض ان يكون.
صحيح ان الزمن تغير، والرهانات تغيرت، وان الزعيم لم يعد محركا كافيا، لكن هذا لا يعني ان نسقط سقف الحزب ليوازي مستوى ادائه اليوم، ونطلب من الناس ان تقيسه بميزان الكفاءة التقنية لا بالشرعية السياسية.
ما قالته حنان رحاب، بصيغة ناعمة، هو ان علينا ان نقبل بالحزب كما هو، وان نقتنع بان ما يقدمه من محاولات يحتسب له لا عليه، وان نبقى اوفياء له لأننا اكلنا من غلته.
لكن الواقع لا تحكمه العواطف، والسياسة ليست عرفانا شخصيا بل مسؤولية عمومية، والغلة التي تتحدثون عنها لم تصل الجميع، ولا كانت بعدل، ولا كانت نقية.
ثم يأتي صوت اخر من داخل الحزب نفسه، أكثر واقعية، وأكثر شجاعة. حسناء ابو زيد لا تنظر للتكيف، بل تصور الواقع كما هو: مشهد سياسي هش، انتخابات تدار بالقفف والشعارات، اعلام يوتوبري يزاحم التأطير السياسي، واستثمار ساذج في زينة المونديال لصرف النظر عن عمق الازمة.
هي لا تهاجم من أجل التموقع، بل تحذر من انهيار الايمان بالمؤسسات. تسأل بمرارة: هل ما نفعله اليوم داخل الاتحاد هو ما وجد الحزب لأجله؟ هل المشاركة الصامتة في مشهد بارد تغني عن الذاكرة، عن النضال، عن الفكرة التي تأسس عليها الاتحاد؟
الفرق بين الخطابين واضح: رحاب تسوق خطاب التكيف المحايد، ابو زيد ترفع مرآة الحقيقة بكل قسوتها.
وفي السياسة، لا ينقذ الاحزاب من الغرق من يجفف دموعها، بل من يقول لها: أنتم تغرقون، وهذه هي الحقيقة.
الاتحاد الاشتراكي اليوم لا يحتاج الى دفاع، بل الى اعتراف. لا يحتاج الى من يطلب الصبر على ضعفه، بل من يطالب بإنهاء هذا الضعف. وإذا كان في الحزب من لا يزال فيه نفس، فليسمع جيدا: الوفاء لا يكون في الصمت، والبقاء في السفينة لا يمنع من تغيير مسارها.
إذا كان اليوم الإتحاد ليس بخير فحسناء لم تكتب ذلك بلغة الواعظين بل سطرته بحروف الإنذار، نفخت في روح السياسة، ودعت إلى تجديدها بدل تبريدها، بينما رحاب اخبرتنا أن زمن الزعامات انتهى وأنهم ينجزون ولو بخجل، ينجزون خطابا رخويا يحافظ على ما تبقى من مقعد وليس ما تبقى من مبدأ..