تقييم نزيل لمركز النور للترويض وإعادة التأهيل ببوسكورة
بقلم حميد المعطى، نزيل الغرفة 22
داخله مفقود والخارج منه مولود تلك المقولة الشهيرة تنطبق على من كتب عليه الولوج إلى هذه المؤسسة قصد الاستشفاء، غير المحدد المدة فهناك عديد من النزلاء تعدت إقامتهم السنوات، وما زالوا ينتظرون الفرج والخروج من هذه المؤسسة الاستشفائية التي لا تتوفر على الاحصائيات والمؤشرات لأنشطة المركز من حيث عدد المعالجين بفتح اللام وفئاتهم العمرية وجنسهم ومهنهم والأقاليم التي أتوا منها ومعدل مدة إقامتهم ونسبة المتعافين منهم نهائيا أو جزئيا ونسبة الذين خرجوا مشيا على الاقدام أو بواسطة المعمدات أو على كراسيهم المتحركة، لأن المركز استقبلهم جميعا في حالة عجز ويمكن تصنيفهم إلى مصابين في حوادث الشغل أو ضحايا حوادث السير أو أصحاب الجلطات الدماغية أو غيرهم من المصابين في نخاعهم الشوكي، فجميع الفئات تعاني من العجز الكلي او الجزئي في الأطراف أو النطق أو فقدان الذاكرة والجميع جالس على الكراسي المتحركة أو واقف بمساعدة عماد أو عادتين أو إطار حديدي.
ومن أول المعيقات لحجز سرير في المركز ايداع شيك للضمان ب4ملايين سنتيم، وهو إجراء غير قانوني تعمل به بعض المصحات رغم تنبيه وزارة الصحة إلى عدم مشروعيته ولاسيما اذا علمنا ان المركز ذو أهداف إنسانية وليست ربحية، تسيره جمعية ذات نفع عام لها شراكات متعددة وتستفيد من منح ومساعدات مختلفة يقدمها محسنون وأشخاص ذاتيون ومعنويون وإدارات ومؤسسات متعددة.. وفي إطار الشفافية كان من اللائق تعليق في مكان بارز تقارير دورية. عن مداخيل ومصاريف المركز حتى يتفهم من يهمه الأمر مشاكل التمويل وتدبير النفقات فيما يفيد، ومن شأن ذلك تعزيز الثقة بين المركز وشركاءه بما فيهم المرتفقون المقيمون الداخليون والخارجيون وكافة الأطراف المانحة والمساعدة ، والجدير بالذكر أن الإقامة في المركز مكلفة جدا وتتراوح بين 3و6 ملايين سنتيم، للشخص الواحد شهريا حسب الغرفة إذا ما كانت فردية أم ثنائية أم رباعية وعدد ونوعية الأدوية وعدد حصص الترويض المختلفة الوظيفية والحسية والحركية والتأهيلية والنطقية والسيكواوجية والمستلزمات الطبية الأخرى التي تتطلبها التقرحات و….الخ، علما أن التعاضديات وشركات التأمين والضمان الاجتماعي لا تتكفل إلا بتغطية 50 الى 70 في المائة من المبالغ الاجمالية للاستشفاء مع العلم أن جل المعالجين من الطبقة الفقيرة من صغار الفلاحين والعمال الزراعيين والصناع التقليديين والحرفيين وعمال البناء والصباغة والنقش وصغار الموظفين والمستخدمين …إلخ، الذين لا حول لهم ولا قوة في تحمل أعباء ومصاريف العلاج مما يجعل بعضهم يغادر المستشفى في أقرب مدة دون تحقيق النتائج المرجوة.
فالنتيجة الإيجابية المتوخاة .تعني الصحة والعافية. واسترجاع الشخص لحالته السليمة وعافيته الكاملة قبل الإصابة، هي الفريضة الغائبة والمغيبة التي لا يمكن لأي مسؤول في المركز أو في غيره من العيادات الطبية أن يشفي الغليل في الإجابة أو الكلام عنها، وحتى المعطيات بالأرقام في هذا الشأن غائبة ومغيبة والملاحظة العينية غير العلمية تبين بأن نسبة المغادرين من النزلاء المقيمين وهم أصحاء معافين لا تتعدى 10 في المائة من المجموع، أما الباقي أكثر من 80 في المائة فيغادرون ملتصقين بكراسيهم المتحركة، وهذا يعني أن النتائج بصفة عامة لا تبشر بخير للذين يأملون العلاج الكامل، وكل ما يطمح إليه النزيل في أحسن الأحوال هو الاستقلالية في القيام ببعض الوظائف الحركية كالتنقل بين الكرسي والسرير أو التمكن من قضاء حاجته وحده في المرحاض.. وما عدا الحالات التي لا يصاب فيها النخاع الشوكي في حوادث بسيطة، التي تعد استثناء باسترجاع عافيتها. أما الإقامة في المركز فلا تتعدى بضعة أشهر ولا سيما الذين لا يتوفرون على أي تغطية صحية أو تأمين أو ضمان اجتماعي، وفي بعض الأحيان يتم إنهاء التكفل بالمقيمين حتى وهم في حالة عجز وإعاقة وهي إجراءات لا إنسانية يندى لها الجبين، ومن العار أن تسجل في تاريخ مركز النور للترويض، وهذا لا يعني أن المركز لا يقوم بأعمال إنسانية اذ يتكفل بما يقرب من مائة نزيل مقيم بالداخلية كما يتم العناية والترويض بمائة آخرين من الذين هم في وضعية إعاقة الخارجيين. ومركز النور الذي أنشئ سنة 2001 بمبادرة من الرواد الأوائل في الودادية المغربية للمعاقين وبتضحياتهم في جمع أموال التشييد والبناء وبطرق جميع الأبواب والاتصالات المكثفة بالمعنيين والمهتمين والمسؤولين وتنظيم التليتونات تم بحمد الله انشاء هذه المعلمة الفريدة من نوعها في القارة الإفريقية، كما يدعون وهذه مناسبة للترحم على من لقي مولاه والمتمنيات بطول العمر لمن لازال على قيد الحياة والتنويه والاعتراف لهم بالجميل لما بذلوه من جهود لإخراج هذا الانجاز إلى حيز الوجود. والبناية في حد ذاتها مشيدة بشكل هندسي مقبول من طابق أرضي في أغلبها باستثناء الجناح الإداري المتواجد في الطابق الأول ومصلحة صنع وإصلاح الأجهزة التعويضية والراديو والمطبخ المتواجدة بالطابق تحت أرضي، والممكن الوصول إليهما بالمصعد أو عن طريق ولوجيات، أما بقية البناية الأرضية فتتكون من أربعين غرفة للاستشفاء وثماني قاعات للترويض الوظيفي والحس حركي والفيزيائي والتأهيلي وقاعات الاستشارة السيكولوجية والتمريض وتصحيح النطق والفحص والتشخيص ومطعم وركن للصلاة ومقهى ومرافق صحية أخرى وتتوسط كل ذلك صالة كبرى للاستقبال والمساحة الخضراء حاضرة بقوة بالحديقتين والجوانب المعشوشبة للمؤسسة.
ويشرف على المركز القطب الصحي للودادية المغربية للمعاقين برئاسة السيدة السلاوي وإدارة السيد سنتيسي وفريق من المستخدمين ويشرف على تتبع صحة المرضى، طاقم طبي من طبيبات وأطباء بمساعدة ممرض وممرضات ومروضات ومروضين ومستشارة سيكولوجية ومقومي النطق ومستشارة اجتماعية ويقوم بخدمة المقيمين مجموعة من المساعدات والمساعدين والطباخين والحراس والسائقين، وعاملات للنظافة والترصيص والكهرباء والصباغة والبستنة..
واذا كنا لا تتوفر على دراسة عن مستوى رضى المرضى المقيمين أو الخارجيين عن خدمات المركز، لأن تلك الأمور لا يهتم بها المركز فإن آراء المرضى تختلف بين المتوسط والضعيف وهذا يدفعنا إلى الادلاء ببعض الملاحظات السريعة. من خلال إقامتنا بهذا المركز مدة سنة ونصف السنة، ببناية مركز النور للترويض في بوسكورة فضاء متوفر على الشروط الاستشفائية بقاعاتها وغرفها ومكاتبها ومرافقها المختلفة وحديقتيها وجنباتها الخضراء، وما ينقص هو مسبح خاص بالاستشفاء أو التمرين على تحريك العضلات. ومسجد محترم لإقامة الصلوات ومتجر لعرض مواد ومنتوجات يحتاجها المرضى والزوار…ومصرف أوتوماتيكي وهاتف عمومي.
فالإدارة تكاد تعمل بطريقة تقليدية بيروقراطية والتواصل مع المرضى شبه غائب والسيد المدير قابع بمكتبه، والمرات القليلة التي يخرج فيها منه فقط لاستقبال الوفود الأجنبية لتعريفها بالمركز ومرافقه والهيكل التنظيمي الذي يظل غير واضح من حيث الأقسام والمصالح والمكاتب والممارسات الإدارية نمطية ومشخصنة لروتينية في العمل الفاقد لكل اجتهاد أو ابتكار، وكثرة الرؤساء بدون صلاحيات ولا اختصاصات ولا مسؤوليات، وبعض المستخدمين يكادون ليفتقدوا لحس الانتماء إلى المؤسسة، والمحاسبة تبدو بدائية حيث تصاغ الفاتورات بطريقة غير مهنية في عصر الرقمنة والتطبيقات المتطورة والانشغال بما هو مادي دون التفكير بما هو ترفيهي وثقافي وفني مع الفراغ الذي يشعر به النزلاء طيلة الحصص الترويضية، فلا عروض مسرحية و سنيمائية فنية وموسيقية أو ندوات تحسيسية، بمركز النور الذي يخيم عليه الظلام الثقافي وفي المرات القليلة التي أقيمت فيه سهرات موسيقية كانت بمبادرة من بعض المؤسسات التعليمية للترويح عن النزلاء في غياب تام عن الإدارة وعن أي مساهمة منها مادية أو معنوية وحتى المكتبة لا وجود لها في قاموس المسؤولين الذين لم يفكروا حتى في تغطية المركز بشبكة الأنترنيت، لفائدة المعالجين المقيمين وكل ذلك لا يتطلب إلا التحلي بروح المبادرة وحسن الإرادة والتميز بفن التواصل وقيمة الانفتاح وبصفة عامة يخيم على المركز جو من الاكتئاب والكآبة والبؤس. وكأنه مؤسسة سجنية.
والطاقم الطبي يقوم بواجبه وبتدخلاته ولاسيما في الحالات الصعبة والمستعجلة وما يؤخذ عليه، هو عدم تتبع حالة المرضى بشكل دوري ومنتظم، لأن بعض النزلاء لم يكتب لهم رؤية طبيبهم مدة طويلة إلا في المقهى أو القاعة الكبرى أو في ممرات المركز، أما بعض الممرضات فلا يتحلين بروح المسؤولية ولا يتوفرن على. الحد الأدنى من المهنية. اذ تسبب بعضهن في استفحال الوضعية الصحية لبعض النزلاء بأخطاء مهنية لولا الألطاف الإلاهية، إما بفعل تغيير الدواء أو الزيادة و النقصان في الجرعات المحددة، أما المروضون والمروضات فهم الحلقة الأضعف في هذا المركز، حيث يشتغلون كثيرا وبأجور لا ترقى إلى وظائفهم وبدون تشجيعات تذكر كالتحفيزات والمنح والمكافآت وفي قلة الأدوات وأجهزة العمل التي يتناوبون على استعمال بعضها. والمطلوب هو تحسبن وضعيتهم المادية والعمل على تشجيعهم وتوفير الشروط والظروف المادية والمعنوية لأداء مهامهم الوظيفية، وحتى لا يفقد المركز خيرة أطر الترويض العاملة به وليظل محافظا على ما تبقى من سمعته التي راكمها منذ سنوات خلت .
ومن جانب آخر فإن مساعدي ومساعدات المرضى يظل قطب الرحى والعمود الفقري للاستشفاء بالمركز فهم المكلفون برعاية النزلاء وإلباسهم واستحمامهم وتغيير ضماداتهم وتأمين وتنقلاتهم وقضاء حاجتهم……. فهم الذين يحملون العبء الأكبر ولاسيما اذا كان المساعد أو المساعدة مكلف برعاية عدد كبير من المعالجين وبالأخص اذا كانت حالتهم صعبة ومن ثمة على الإدارة أن تخفف من العدد الى حدود 5مرضى لكل مساعد بدلا من 8 حاليا. وهذه الفئة من العمال اللصيقة بالمقيمين في حاجة إلى دورات تكوينية في التواصل وحسن التعامل مع المرتفقين لأن بعضهم لا يكلف نفسه في بعض الأحيان الاستجابة لاستغاثة المرضى أو الاستماع لنداءاتهم المتكررة.
أما وضعية التغذية فإنها نقطة سوداء في هذا المركز، فإذا استثنينا وجبات الفطور وغذاء أيام الاثنين والأربعاء والجمعة والممكن وصفها بالعادية والمقبولة وتصادف حضور طبيبة التغذية للمركز، فإن بقية الوجبات لا تتلاءم مع ما يجب أن يتناوله المرضى في غياب برنامج للتغذية أسبوعي، يشرف عليه طباخ محترف وليس هاوي مع ضياع الكثير من الخضر غير المستهلكة بالإضافة إلى النقص في أدوات الأكل من معالق وشوكات..
لكن من حسنات المركز تعود الى السي عبد الله البستاني الذي لا يمل ولا يكل من العمل في الغرس والتنقية والسقي والتشذيب حتي يبقى الفضاء الأخضر للمركز فضاء يسر الناظرين.