عن احتلال الصحراء الشرقية المغربية. الوصول الى المعرفة العلمية
عبد الوهاب الدبيش أستاذ جامعي في التاريخ
من حسنات اللقاءات العلمية للجمعية المغربية للبحث التاريخي انها تتيح امكانية الوصول الى المعرفة العلمية عن قضايا تثير الرأي العام بالمغرب وفي العالم ككل.
كانت الندوة المنعقدة بكلية الآداب وجدة ربيع 2015 فرصة جميلة لمناقشة موضوع المجالات الحدودية، ولأن البحث العلمي التاريخي بالمغرب غير مسيس ولا يخضع للتوجيهات والتعليمات الفوقية كما هو حال جامعات العالم العربي وخصوصا جمهوريات الكرتون، فقد كان اللقاء مثمرا وهاما جدا..
أكثر ما شدني إلى الندوة ومداخلاتها هو عرض الاستاذ محمد اعفيف الذي كان قد حضر أطروحة عن توات ربما في القرن التاسع عشر والقى مداخلة حول الطريق منّ فگيگ إلى توات خلصت المداخلة للرجل أعفيف العفيف والهادئ إلى أن مئة عام من تواجد الفرنسيين وثلاثة وخمسين عاما من خضوعها للجزائر. لم تستطع لا فرنسا ولا الجزائر بعد الاستقلال ان تشيد طريقا يوصلها من الجزائر العاصمة إلى توات التي يسميها المسؤولون الجزائريون -ادرار- لطمس ومنع تداول مصطلح توات الواحة الجميلة المغربية الهوى والهوية والتاريخ.
هكذا اذن عجز كابرانات فرنسا عن ايجاد مسلك يوصلهم إلى توات دون ان يستعملوا طريق القوافل المغربية القديم الذي استخدمه السلاطين والقواد والباشاوات في ذلك الزمن..
الجزائر بما تصنعه من دعايات منفوخة لم تستطع تشييد طرق عبر الصحراء والتل الصحراوي لتصل إلى -توات- بل لم يحافظوا حتى على المنجزات الاستعمارية في هذه المنطقة لكن القراء وخصوصا الذين يتتبعون ما انشر بحاجة الى معرفة كيف وقعت توات تحت الهيمنة الفرنسية في سنة 1901، اتفقت فرنسا مع بريطانيا سنة 1894في نفس الفترة التي توفي فيها السلطان الحسن الاول الذي كان عرشه فوق جواده، ونص هذا الاتفاق الذي مهد ربما لاتفاق 1904 على تقسيم مناطق النفوذ بين الدولتين، وكانت نية فرنسا ان تستولي على- توات- التي كان يسيرها الباشا ادريس بن الكواري الشرادي معينا من قبل السلطان مولاي عبد العزيز..
لكن- توات -المنيعة كانت عصية على الفرنسيين، ولكي يحتلوها كان لابد من قطع الإمدادات عنها عبر سلسلة من الوقائع..
احتلت فرنسا المناطق التي كانت تدار من قبل وهران التي أطلقوا عليها مناطق جنوب وهران وهذا يتماشى مع التقسيم الفرنسي للجزائر الذي أصبح يتكون من ثلاث مناطق هي وهران والجزائر العاصمة او جزائر بني مزغنة حتى نبقى في السياق وقسنطينة، ولكي يسهل عليهم الامر اصبحت المناطق المغربية من العين الصفراء وگورارة والقنادسة وبشار التوات وفگيگ مناطق تابعة لإدارات جنوب وهران في جميع المجالات..
استغل الفرنسيون وفاة السلطان الحسن الاول والظروف الداخلية للمغرب في عهد السلطان مولاي عبد العزيز وبدأوا بتنفيذ مخطط الاستيلاء على المناطق المذكورة..
اولا هجموا على فگيگ لأنها مدينة محورية واستراتيجية في الاستيلاء على -توات- وهذا يعني تأمين وصول الجيش الفرنسي وقطع الطريق على وصول اي دعم للمدينة؛ استغل المحتل تعاون السكان الجزائريين معهم لكي يستولوا على هذه المناطق وخصوصا ساكنة المصابيح الجزائرية التي كانت الدعامة الديموغرافية التي اعتمد عليها المحتل لاحتلالها
استولت فرنسا على- توات- بعد ان احتلت تيمومين وگورارة والقنادسة وتيدكلت واخيراً تندوف التي بقيت على هواها المغربي إلى حدود 1962 اذ تكشف وثيقة استخباراتية فرنسية ان ساكنتها رفضت المشاركة في استفتاء 5ماي 1962الذي وضعه الجنرال ديغول على الجزائريين لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم غير معنيين بها لأنهم مغاربة..
للعلم فإن ساكنة تندوف قد قامت بأكثر من مظاهرة ضد الفرنسيين والجزائريين في سنة 1962 لكنها جوبهت بقسوة من قبل المرتزقة الجزائريين، واسفرت عن مقتل أكثر من ستمائة شخص وربما كان هذا ايذاناً دفع الراحل الحسن الثاني إلى إعلان الحرب عليهم في حرب الرمال سنة بعد ذلك..
