المجلس الوطني للصحافة… حين تسقط الأخلاقيات بسقوط حارسها. تحليل قانوني وسياسي وإعلامي لأزمة لجنة أخلاقيات المهنة بالمغرب.

المجلس الوطني للصحافة… حين تسقط الأخلاقيات بسقوط حارسها. تحليل قانوني وسياسي وإعلامي لأزمة لجنة أخلاقيات المهنة بالمغرب.
شارك

محمد خوخشاني

مكناس في 24 نونبر 2025.

مقدمة

أُحدِث المجلس الوطني للصحافة بموجب القانون رقم 90.13 ليكون إطارًا مستقلاً يُعنى بتنظيم المهنة، وتأهيل الصحافيين، وصون الأخلاقيات، ومكافحة مظاهر الانحراف داخل الحقل الإعلامي. غير أن ما آلت إليه لجنة أخلاقيات المهنة في السنوات الأخيرة أثار موجات من الاستغراب والاحتجاج، بعدما باتت تصدر قرارات لا تنسجم دائمًا مع روح القانون ولا مع جوهر الأخلاقيات المهنية التي أنشئت لأجلها.

فكان السؤال الذي يتردد اليوم على ألسنة الكثيرين: ما هذا يا هؤلاء؟

كيف تحوّلت اللجنة التي كان يُفترض أن تكون « ضمير المهنة » إلى مصدر أزمة جديدة في قطاع يعاني أصلاً الهشاشة والتشتت وفقدان الثقة؟

أولاً: الإطار القانوني للمجلس… وما الذي لم يُحترم؟

جاء القانون 90.13 ليضع للمجلس ثلاث وظائف أساسية:

  1. حماية المبادئ الأخلاقية للمهنة.

وذلك من خلال قواعد واضحة تتعلق بالصدق، واحترام الحياة الخاصة، والتحقق من المعلومات، وعدم خدمة الأجندات السياسية أو التجارية على حساب الحقيقة.

  1. تأديب المخالفات المهنية وفق ضمانات واضحة

حدّد القانون آليات التظلم، وضمان حق الدفاع، وضرورة تعليل القرارات بشكل مكتوب، مع مراعاة مبدأي التناسب والمساواة.

  1. تعزيز حرية الصحافة وصون كرامة الصحافي.

وهذا من أهم أبواب القانون: فحرية الصحافة ليست منحة، بل هي ركن دستوري.

لكن ما الذي يحدث اليوم؟

تواترت حالات تُظهر غياب احترام جوهر القانون في ثلاثة مستويات:

  • انتقائية في تحريك الملفات، بحيث تُفتح ملفات ضد صحافيين معينين فيما يتم تجاهل خروقات أكثر خطورة صادرة عن مؤسسات أكبر.
  • ضعف تعليل القرارات، ممّا يُفقدها شرعيتها القانونية ويجعلها أقرب إلى “أحكام معنوية” لا إلى قرارات مؤسساتية.
  • تجاوز الدور التربوي والتأطيري نحو التركيز المفرط على العقاب.

ثانيًا: تحليل سياسي… هل تحوّل المجلس إلى ساحة تأثيرات خارجية؟

لا يمكن قراءة أزمة لجنة الأخلاقيات بمعزل عن السياق السياسي العام:

  1. تراجع ثقة المجتمع في المؤسسات الوسيطة.

والمجلس الوطني أحد أهم هذه المؤسسات. وحين تتراجع الثقة فيه، فإن ذلك يُعدّ مؤشرًا على اختلال أعمق في العلاقة بين المواطنين والفاعلين المؤسسيين.

  1. توتر العلاقة بين السلطة والفضاء الإعلامي.

في لحظات سياسية معيّنة، يُنظر إلى الإعلام إما باعتباره:

  • حارسًا للمساءلة… أو
  • مزعجًا ينبغي ضبط حدوده.

وفي هذه البيئة، يمكن للجنة أخلاقيات غير مستقلة فعليًا أن تتحوّل—دون قصد أو بقصد—إلى أداة تستخدم ضد أصوات صحافية “غير مريحة”.

  1. غياب تمثيلية قوية داخل القطاع الصحافي

ضعف النقابات المهنية وتشتت الجسم الصحافي يسمح لأي جهاز تنظيمي بأن يمارس سلطة تأديبية أكبر من حجمه الطبيعي.

ثالثًا: تحليل إعلامي… أزمة بنيوية لا ظرفية.

  1. ضعف التكوين الصحافي واستسهال الخطاب الشعبوي.

بدل أن تركز اللجنة على رفع مستوى المهنة، يجد المتابعون أنها تركّز على “شكل المخالفة” أكثر من أصل الداء.

  1. انتشار صحافة غير مهيكلة.

ما يعني أن فئة واسعة من العاملين في المجال خارج نطاق الحماية القانونية، بدون بطاقة مهنية ولا تكوين، ومع ذلك لا تتجه إليهم المساءلة، بل تُوجَّه غالبًا لمن هم داخل المؤسسات النظامية.

  1. غياب رؤية إصلاحية.

الأخلاقيات ليست شرطةً مهنية، بل مشروع حضاري يقوم على التربية قبل الردع. وهذا ما غاب تمامًا.

خاتمة:

أزمة لجنة أخلاقيات المهنة هي عرض لمرض أكبر:

مرض غياب الإصلاح الحقيقي، وغياب المهنية في مجال يعيش تحولات سريعة.

ولن يستعيد المجلس الوطني دوره إلا إذا:

■ أعاد تأويل القانون بما ينسجم مع روح الحرية والمسؤولية.

■ وضمن استقلالية حقيقية في قرارات التأديب.

■ واشتغل على تكوين الصحافيين بدل الاقتصار على معاقبتهم.

إلى ذلك الحين سيظل السؤال قائمًا:

إلى متى يستمر سقوط الأخلاقيات بسقوط حارسها؟

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *