أزمور الغنية أزمور الفقيرة
علال بنور
تحدث الإخباريون من المغاربة والبرتغاليين عن مجد مدينة أزمور، التي كانت لها أدوار طلائعية قبل الاحتلال البرتغالي منذ القرن 15 م، فنظرا لموقعها الجغرافي الذي يربط بين مصب نهر أم الربيع شرقا وغربا شاطئ المحيط الأطلسي، ثم غابات أهمها الحوزية وسيدي وعدود، كما يحيط بها سهل فلاحي مهم بآباره التي لا يتجاوز عمقها 50 مترا، هذه المؤهلات الجغرافية أعطت للمدينة مؤهلات اجتماعية واقتصادية وثقافية وعمرانية التي شكلت وحدة تاريخية.
اقتصاديا، يذكر الاخباريون أن المدينة عرفت بغنى سمك الشابل بمصب النهر الذي كان يصدر طريا ومجففا إلى مدن البرتغال، كما أعطى المجال السهلي رساتيق ومشاهد فلاحية جد متنوعة بوفرة الآبار المائية بتقنيات السقي. بالإضافة إلى النشاط التجاري، بسلعه الوافدة على المدينة.
ا
اجتماعيا تعايش المغاربة بإثنياتهم وملاتهم ومرجعيا تهم الثقافية من أمازيغ وعرب ويهود وأجانب، سكن المدينة الفينيقيون ثم فيما بعد الإبريون والفرنسيون وباقي الجاليات الأجنبية، كذلك ارتبطت المدينة إلى اليوم بضريح أيوب بن سعيد الصنهاجي المعروف عند الساكنة بالمولى بوشعيب الرداد أو بوشعيب السارية الذي عاصر الدولة المرابطية من متصوفي مدينة أزمور. عرفت المدينة صناعة النسيج والخزف.
ثقافيا، تحدثنا المصادر، أن مدينة أزمور كانت تضم قبل المرابطين، العديد من المساجد والمدارس ورجالات التصوف، الشيء الذي أعطاها اشعاعا ثقافيا، قبل الاشعاع الذي عرفته مدينة فاس، فكان يفد عليها (الطلبة) وهم حفظة القران وعلوم الدين واللغة العربية والشرع القضائي، من القبائل والعديد من المدن المغربية، كانت أزمور تنافس سوس العالم في استقطاب طلبة العلم، كما يحدثنا الاخباريون أن سكان المدينة تقاسموا في عاداتهم وتقاليدهم التي اتسمت بالتقاطع والاختلاف من عادات الأعياد والأكل واللباس.
عمرانيا، عرفت مدينة أزمور بناء المنازل بمادة الحجر، وبهندسة ذات الفناء الواسع الذي تطل عليه غرف من طابق سفلي وطابق علوي.
ذاك الماضي لم يعد سوى أطلالا وأسوارا متآكلة بفعل الزمان ،ولكأننا بنفس الزمان قد توقف عن الحركة ،على المستوى المجالي ،توسع بطيء جدا في النسيج العمراني، بقيت المدينة رهينة عقلية الخرافة والشعوذة المرتبطة بضريح بوشعيب الرداد، بدليل أن الكل يأخذ بفكرة التيمن باسم الشيخ، لذلك نجد العديد من الاسر يسمون أبناءهم ببوشعيب تيمنا به، بالإضافة إلى زيارة النساء مزار لالة عائشة البحرية المدفونة على الشاطئ بغابة سيدي وعدود.
.من مؤهلات المدينة التي يمكن أن تجعلها في صفوف المدن المغربية المالية والاقتصادية والسياحية، هنا مربط الفرس الذي يسائلنا، لماذا بقيت مدينة ازمور تعيش في تخلفها وهشاشتها ؟
يمكن أن تكون لأزمور وظيفة سياحية وفلاحية وصناعية بحكم موقعها بين الأقطاب الصناعية الدار البيضاء وآسفي، أما إقليميا فهي امتداد للمجال الحيوي لمدينة الجديدة بوجود منتجع مزغان ومركب الفروسية مع وجود مجال فلاحي يمتد إلى سهل الوالدية الغني بفلاحته، كما يحيط بها مجال فلاحي كضيعات ثمرا أفوكا والفواكه الاستوائية ومشتل عصري لفلاحة الورود والنباتات الموردة، التي تزين شرف وحدائق المنازل بالمدن المغربية.
لكن المدينة محاصرة ومنعدمة الآفاق لإنتاج الثراء لعموم الناس، وتنعدم بها فرص الشغل، ولم تعد سوى مجال لتصدير الهجرة من ساكنتها حيث غدت خزانا للهشاشة.
أليس من حق هذه المدينة التي ولدت البحار المصطفى الأزموري الذي ساهم مع كريستوف كولمب في اكتشاف العالم الجديد صدفة. كما ولدت المؤرخ العروي ومبدعين من قبيل بوشعيب الهبولي وبوشعيب الهاني اللذان لا زال مرسمها إلى اليوم بالمدينة ولم يهاجراها إلا وقت إقامة المعارض على قلتها.
كان من الممكن، أن تكون أزمور من المدن الصاعدة التي تتمتع ببينة عمرانية حديثة على شاكلة المدن المغربية الحديثة بشوارعها وقناطرها وطرقها التحت أرضية. لكن المدينة نراها ضحية ذهنيات منتخبيها العاجزون عن إنتاج أفكار النمو والرخاء والذين لا يجرون سوى وراء منافعهم الذاتية على حساب مصالح عامة الناس.
إن الخلاصات التي نستنتجها اليوم عن هذا التدهور العام للمدينة، يقتضي فيما يقتضيه التعجيل بالبحث عن نموذج تدبيري جديد، وسياسات جديدة تضع الإنسان في صلبها، لكن هذا المشروع الآني والمستقبلي لن تقوم به سوى نخبها وساكنتها للخروج من المواقف السلبية التي سادت لعقود من الزمن.