مفهوم الزمن عند المغربي
عبد العزيز شبراط.
إذا كنت في المغرب، فاعلم أنك لن تحتاج الى ساعة اليد أو ساعة الهاتف الذكي، لأنك ستتذمر بشكل موجع كلما حاولت استعمالها؛ فمعظم المغاربية لا يعطون للوقت قيمة، وتعتقد النسبة الكبيرة منهم أن الوقت مجرد مفهوم ولا دخل له في النسيج الاقتصادي، حتى إن كان البعض يبدو وكأنه يعتبره عاملا من العوامل المؤثرة في كل عملية اقتصادية، إلا أن ذلك لا يعدو سوى أقوال بلا أثر، وحتى تتضح الأمور أكثر، نسوق بعض الأمثلة التي نعيشها صباح مساء ببلادنا، تقف مثلا أمام وكالة بنكية ما، وستجد على واجهتها يافطة تحدد توقيت العمل، ولكنها تشير فقط الى وقت افتتاح الابواب وإغلاقها، لا أقل ولا أكثر، وإذا كنت تظن عكس ذلك فإنك خاطئ، تستيقظ مسرعا وتقرر أن تقف أمام تلك الوكالة دقائق قبل الافتتاح لتكون أنت الأول من يدخلها حتى تنهي عمليتك البنكية في وقت وجيز وتذهب لقضاء أشغالك الاخرى، لكنك لما يفتح الباب وتدخل أنت الأول متوهما أن الأمر لن يتطلب منك سوى بعض الدقائق، وهي المدة التي تحتاجها عمليتك؛ لكنك تتفاجأ بعدم وجود الموظف(ة) خلف الحاسوب، ثم تسأل رجل الامن الخاص، فيرد عليك ببساطة أن الموظف(ة) ذهب يغير ملابس وسيأتي سريعا، وتظل تنتظره على الاقل خمس أو سبع دقائق وقد يذهب الامر الى أكثر من ذلك، هذا يتعلق بالشخص ومستوى احترامه للأخر، ولما يأتي يلزمه خمس أو سبع دقائق أخرى أو أكثر، الوقت الذي يلزمه لتشغيل الحاسوب و حتى يتساوى في وضعه، فإن كنت محظوظا يكون الحاسوب في حالة جيدة ويستجيب له سريعا، ثم حينها ينظر إليك ويحدثك بشكل تستشف منه عدم رضاه بكونك كنت واقفا أمامه أو أمامها ظانا منه أنك كنت تضايقه فيما كنت فقط تتمنى، لو يسرع قليلا لتلبية طلبك وتغادر لأشغالك، التي لا زالت تنتظرك وقد تأخرت عنها أكثر مما اعتقدت؛ وهو يقوم بأداء مهمته التي على أساسها يتقاضى أجرا؛ تحس أنه يقوم بها ببطيء شديد دون أي اعتبار للوقت، وقد يطلبه أحد على الهاتف فيجيب دون اعتبار لك وقد يظل يحادث مخاطبه دون حتى أن يعتذر منك، كل هذا السلوك (والذي بالمناسبة نجده في كل الأمكنة التي نتوجه اليها لقضاء أغراضنا) تعبر بشكل واضح عن عدم اهتمامنا بالوقت، إذا كانت هذه الامكنة تحترم الوقت حقا فعليها أن تستقبلك مباشرة بعد دخولك من الباب، وإذا حدث ودخلت الى وكالة بنكية أو غيرها ساعة بعد الانطلاق ( أو أقل أو أكثر) ووجدت أمامك أخرون فاعلم أنك ستقضي أكثر بكثير الوقت الذي تتطلبه العملية التي من أجلها ولجت ذاك المكان، فالموظف يتعامل مع المرتفقين بتجاهل كبير، وقد تكون واقفا أمامه ينجز لك ما جئت من أجله؛ ثم بشكل مفاجئ ودون استئذان يغادر كرسيه ويذهب حيث لا تعرف؛ ولن يعود اليك حتى تفكر ألف مرة للسماح فيما جئت من أجله وتغادر، ولكن تحاول جاهدا الحفاظ على ضغطك الدموي وعصبيتك، لأن ما جئت إليه لا بد أن ينجز و ما عليك الا الصبر، وحين يعود لا يعيرك أي اهتمام، لا أنت الذي أمامه ولا الأخرون الذين ينتظرون دورهم بعدك، هذه عادات وسلوكيات من الزمن القديم لا زالت الادارة المغربية تحافظ عليها وهي سبب من أسباب تخلف إدارتنا، والتي نعتقد أنها تعيش خارج التكنولوجيا الرقمية التي انتشرت في معظم البلاد باستثناء بلادنا.
إذا كنا لا نحترم الوقت بالدقائق والثواني، فإننا لا زلنا نعيش داخل حركية بطيئة لن تتوافق مع السرعة الفائقة التي يسير بها العالم الرقمي، كيف يمكننا الحديث عن المدن الذكية بهذه السلوكيات الآتية من قرون كانت قبل اكتشاف الترانزستور الذي غير وجه العالم الى عالم ذكي أصبح يعتمد كثيرا على الذكاء الاصطناعي، فيما بلادنا لا تزال تقف على باب الذكاء البيولوجي.