سوق الاثنين برشيد، موروث ثقافي تم محوه بقرار جماعي.
عبد العزيز شبراط
تعتبر الأسواق الأسبوعية ببلادنا، موروثا ثقافيا وجب الحفاظ عليه باعتباره تراثا لا ماديا بالمعنى الأنثروبولوجي ، كما يفترض تكييفه مع التطورات التي تعرفها مناحي الحياة، حتى تتوافق معها، من العيب والعار، أن يقدم رئيس جماعة ما، على محو سوق أسبوعي، عبر قرار جماعي، صيغ داخل مقر الجماعة دون استشارة ذوي الاختصاص، كثيرا ما تقف الأمية والجهل، وراء صياغة العديد من القرارات الجماعية ببلادنا، فتخلف آلاما كبيرة لدى العديد من النفوس، وبشكل خاص لدى المثقفين .
فالسوق الأسبوعي ليس مجرد مكان للتبادل التجاري و التسوق فقط ، بل إنه أكثر من ذلك بكثير، فهو موروث ثقافي يعج بالرموز والدلالات، معلوم أن الأسواق الاسبوعية المغربية ضاربة في الأزمنة القديمة، ولها ارتباط وطيد بالمنطقة وحتى بالقبيلة، ولكونها مرتبطة بحياة الناس في مفهومه الواسع، وليس فقط بالرواج فإنها تتخذ أسمائها من المناطق المرتبطة بها، من مثل: اثنين برشيد، اثنين اولاد بوغادي، أربعاء لكفاف، أربعاء الفقيه بن صالح، سبت كزولة ، سبت أولاد النمة، سبت طيط مليل، أحد أولاد افرج، خميس امتوح، ثلاثاء سيدي بنور… والكثير.
ومادام الأمر كذلك فإن هذه الأسواق تضرب جذورها في أزمنة قديمة، لأنها شكلت عبر فترات تاريخية نواة تجارية، استقطبت تجمعات سكانية، استقرت عبر العصور في قرى أو حتى مدن .. وهذا ما يجعلها موروثا جماعيا تنصهر فيه حياة الناس، ومجالا خصبا لنسج علاقات اجتماعية ممتدة ، يمكن أن تشكل مادة غنية للباحثين المهتمين بالتاريخ الاجتماعي لقرى ومدن المملكة، فالناس لا يأتون للسوق الأسبوعي فقط للتسوق، والدليل فرغم امتداد الأسواق العصرية ونظافتها وما تتوفر فيه من شروط صحية لمواد التغذية المعروضة بها، فإن الناس ظلوا مرتبطين بالأسواق الأسبوعية التقليدية، يحجون إليها بشكل مستمر، فالناس يحجون إلى هذه الأسواق لكثير من الأمور، فهو يعتبر المكان الأنسب لتلاقي الأحباب والأقارب وتبادل المعلومات فيما بينهم حول الحالات الصحية والاجتماعية وغيرها لبعضهم البعض، كما يعتبرونه فرصة التلاقي وقضاء مصالح أخرى خارج التسوق، ولا تتم إلا خلال هذا المكان، كما لا يمكن إغفال الأدوار الريادية التي تلعبه الأسواق الأسبوعية في تبادل الآراء والتجارب، وحتى التنسيق بين الناس في العديد من الأمور، وقد كان لهذا الأسواق دورا رئيسا في التنظيم أيضا أيام الحركة الوطنية، كما كانت المكان الأوفر لتبادل خبرات المقاولين والخطاطات، لا يجب أن نرى للأسواق أنها فقط محل تجاري كبير، وأعتقد أن هذا ما جعل المجلس الجماعي لمدينة برشيد يقدم على محو سوق الاثنين بمجرد قرار جماعي، إذ استغل فرص الحضر الشامل الذي عرفته بلادنا عقب الوباء الخبيث « كورونا » حيث تم غلق كل الأسواق الاسبوعية على امتداد التراب الوطني، لكن مباشرة بعد رفع الإغلاق، لم يسمح لسوق الاثنين بالعودة إلى نشاطه، نحن لا نختلف أن مكان السوق الاسبوعي أصبح يشكل هما وضغطا لساكنة الأحياء المجاورة، ولكن محوه نهائيا ليس هو الحل الذي كان مطلوبا، بل كان على المجلس الجماعي نقل السوق إلى مكان آخر خارج المدينة يكون مهيئا ومواصفات حديثة وبطرق منظمة تتوفر فيها النظافة وشروط العرض تستجيب للمعايير الصحية بالنسبة للمواد الغذائية، وبها مراقبون حتى لا تعرض به مواد متجاوزة الصلاحية أو فاسدة، وتتوفر فيه شروط الأمن والسلامة، أم أن المجلس الجماعية اعتمد قاعدة : » كم حاجة قضيناها بتركها » وهي قاعدة فاتها التاريخ ولم تعد تنطلي على مغاربة اليوم.
وللتذكير فإن الخطأ الذي ارتكبه رئيس المجلس الجماعي الحالي في حق السوق الأسبوعي، هو ذاته الذي ارتكبه رئيس سابق كان محسوبا على حزب يساري، لما أقدم على هدم قيسارية برشيد والتي كانت تمثل معلمة تاريخية للمدينة، فأقدم السيد الرئيس على هدمها بمجرد قرار جماعي تم خارج التاريخ، وهو ما خلف استياء كبيرة لدى الساكنة، ومن غريب الصدف أن الرئيس الحالي الذي محا السوق الأسبوعي اعتمد في حملته الانتخابية السابقة على نقطة هدم القيسارية ووعد الساكنة بإعادة بنائها إن فاز، وهو ما حصل ولقد أوفى بوعده في البناء، ولكن لحد نهاية ولايته لم تفتح بعد هذه القيسارية، وقد لا تفتح أو تتحول الى شيء أخر، لا نعلم كيف يفكر مثل هؤلاء.