الدراسات الافريقية، الأهمية و الافاق
المنظار:
المداخلة التي ساهم بها الأستاذ محمد الدرويش رئيس مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة و العلوم في افتتاح المائدة المستديرة حول موضوع الدراسات الافريقية، الأهمية والآفاق التي نظمت يوم الثلاثاء 22 فبراير 2022، هذا اللقاء الذي عرف عروضا قيمة بمشاركة ثلة من الاساتذة الباحثين والمعنيين بالقضايا الافريقية من بينهم الأستاذ محمد الفران والموساوي العجلاوي ووائل بنجلون ورشيد بنلباه
انعمتم مساء،
أما بعد ، يطيب لي ان ألقي أمامكم كلمة افتتاح أشغال هذا اللقاء الوطني الهام باسم الجهات المنظمة، فأرحب بكم واحدا واحداً، و الذي ننظمه حول موضوع:
الدراسات الافريقية،
الأهمية و الافاق
برحاب المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، و هو نفس المكان الذي احتضن قبل ثمان سنوات خلال شهر يونيو من سنة 2014 ندوة دولية في موضوع:
/ المغرب و افريقيا الماضي و الحاضر و المستقبل /
شارك في اشغالها اكاديميون و سياسيون من مجموعة من دول افريقيا الفرنكوفونية و الانجلوساكسونية و العربية و التي انتهت اشغالها بإصدار نداء الرباط باسم المشاركين حيث اكدوا على الحاجة الدائمة و المتجددة للتشاور و تبادل الخبرات و التجارب و التعاون بين أساتذة الجامعات و الفاعلين من منظمات سياسية و اجتماعية و مدنية و اقتصادية و ثقافية لبناء نهج مشترك يهدف الى ضمان تنمية القارة الافريقية في جميع المجالات على اساس التضامن الفعال و الرؤية المشتركة للمستقبل مع المطالبة بالاعتراف بالجهود التي يقوم بها المغرب للمساهمة بجدية في الجهود الجماعية من اجل قارة جديدة بروح رابح – رابح و التأكيد على ان القارة الافريقية ما زالت تتعرض للتلاعبات المختلفة و التي تتسبب في الازمات و الصراعات الداخلية و التي تهدد الاستقرار في مجموعة من الدول الافريقية و الدعوة الصريحة الى ان يكون الاتحاد الافريقي مؤسسة قوية بهياكل جدية و فعالة و مناسبة لقضايا القارة في علاقاتها الدولية مع التنويه بانخراط المغرب في تنفيد سياسة افريقية بناءة من خلال سياسة التعاون جنوب – جنوب موجهين الطلب لرؤساء الدول الافريقية بالانخراط في اصلاح الاتحاد الافريقي و نداء للمملكة المغربية للعودة الى الاتحاد الافريقي /
و اليوم نعود لطرح الموضوع لكن بمنطق اخر و في ظروف مغايرة حيث نستحضر خلاله تاريخ الدراسات الافريقية ، و مجالات اهتمامات المؤرخين و السياسيين و الاقتصاديين بقارة لها التاريخ و الثروة الانسانية و الطبيعية و غيرهما ، و لدلك اضحت تشكل محط اهتمام كل القوى العالمية و فضاء التجاذبات السياسية و الاقتصادية خصوصا بعد ما عاشته الدول العظمى من ازمات مالية بعد سنة 2007 و انعكاسات دلك اجتماعيا و سياسيا ،
و لا بد من التذكير هنا بان القرار الحكيم الذي اتخذه جلالة الملك محمد السادس و القاضي بعودة المغرب الى الاتحاد الافريقي و العدول عن سياسة المقعد الفارغ في هياكله بعثر اوراق خصوم المغرب بل ان الزيارات المكوكية التي قام بها جلالته لمجموعة من الدول الافريقية و حجم الاستثمار الذي دشنه المغرب في دول افريقية بمنطق رابح – رابح كل دلك اعاد المغرب لمكانته الطبيعية انتماء للقارة الافريقية و استحضارا للعلاقات التاريخية التي جمعت بينه و بين دول افريقية عبر التاريخ و هي مبادرات لعمري جعلت دولا تستعيد الثقة في قدراتها و ادت الى كثير منها بالجهر بان افريقيا للأفارقة في كل المستويات حتى تكون قادرة على رفع تحديات التنمية والتحديث ، و يمكن القول ان مجموعة من الأساتذة الباحثين قاموا بادوار مهمة في نسج علاقات اكاديمية مع زملائهم في مجموعة من الدول الافريقية و دلك باب من ابواب التقارب و تبادل التجارب و الافكار من اجل افريقيا و تم دلك من خلال شعب التاريخ بكليات الآداب و العلوم الانسانية بدءا بالرباط و مرورا بكل الكليات و نسجل باعتزاز كبير الادوار الوطنية بمنظور اكاديمي علمي و التي قام بها مجموعة من الأساتذة الباحثين المختصين والذين ساهموا في تصحيح مجموعة من المغالطات حول افريقيا و الأفارقة و كذا العلاقات المغربية الافريقية بوجهات نظر اما قبلية او عرقية او دينية او غيرها و استمرت الاجيال بعد هؤلاء المؤسسين في نهج نفس الطريق حتى توج هدا الاهتمام بتأسيس معهد خاص بالدراسات الإفريقية سنة 1987 بتعليمات سامية من الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني هو معهد الدراسات الإفريقية ، المؤسسة الجامعية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط ، يهدف الى :
– دراسة التراث المشترك بين المغرب وباقي الدول الإفريقية و تعميق البحث في حضاراتها و لغاتها و لهجاتها و مقوماتها التاريخية والطبيعية.
– تنظيم الندوات و المؤتمرات و اللقاءات و المعارض بمشاركات وطنية و افريقية و المساهمة في تطوير البحث العلمي في المجالات الانسانية و الاجتماعية .
– انتاج و تجميع الوثائق والمراجع والكتب و الابحاث .
– مساهمة المعهد في المشاريع الوطنية الخاصة بافريقيا
و اقامة العلاقات الاكاديمية العلمية مع نظرائهم في الدول الافريقية و مع تنظيمات المجتمع المدني و السياسي و المؤسسات المماثلة .
و يقضي المقام بالتذكير بان معهد الدراسات الافريقية تداول على ادارته 5 مسؤولين
و هم على التوالي :
– أحمد توفيق 1990-1994 (تخصص:التاريخ)،
– الحسين مجاهد 1994-1997(تخصص:اللسانيات)،
– حليمة فرحات 1997-2003 (تخصص: التاريخ)،
– فاطمة الحراق 2003-2007 (تخصص: التاريخ)،
– يحيى أبو الفراح من سنة 2007 إلى سنة 2017 (تخصص الجغرافيا).
و لنا ان نعتز بان المغرب احتضن عبر الاساتذة الباحثين اما بصفة فردية او مؤسساتية دراسات افريقية و معهد خاص بها علما انه قليلة هي الدول التي تحتضن هدا النوع من المعاهد الخاصة بهاته الدراسات كمصر و السودان و جنوب افريقيا و دول غربية …
و يجدر التذكير هنا ان دستور 2011 اكد بعبارات صريحة على الجذور الافريقية باعتبارها احد روافد الهوية المغربية ينضاف الى ذلك تاريخ الكفاح المشترك بين المغرب و عدد من الدول الافريقية في مواجهة الاستعمار و الاحتلال و تبني المواقف المبدئية في مساندة الدول التي لم تستقل بعد و هو الامر الذي جسده بتميز كبير مؤتمر الدار البيضاء خلال شهر يناير 1961 و الذي جسد النواة الاساس للوحدة الافريقية المرجوة و التي سيعلن عن ميلادها باسم منظمة الوحدة الافريقية في شهر مايو 1963 و لن نذكر في هدا المقام بما تم تحقيقه او افشاله خلال مسارها و المناورات و الضرب تحت الحزام لخصومها بأدوات داخلية و خارجية شخصية و مؤسساتية مما جعل المغرب يتخذ القرارات الملائمة لأوضاع بعينها خصوصا خلال سنوات 1984 و 2017 حيث اتخذ المغرب قرارا تاريخيا اربك الخصوم وفرض اعادة ترتيب الاوراق الافريقية و الدولية و المتمثل بعودة المملكة المغربية الى الاتحاد الافريقي يناير 2017 ومساهمته الجادة في البدء بمسلسل اصلاح داخلي و تصحيح لأوضاع هيمنة هذا الطرف او ذاك و يستمر الانخراط الجدي للمغرب في هدا المسلسل بقرارات جريئة وواعدة اقتصاديا و اجتماعيا وسياسيا ومعرفيا دفعا بتنفيذ مقتضيات شعار افريقيا للأفارقة وعليه واستحضارا لكل هاته المعطيات فان الحاجة ملحة الى مواكبة الاكاديميين و الباحثين لهدا المسلسل الطويل و المنتج ولابد من عمل جامعي جدي يرافق المبادرات و القرارات التي تتخذها الدولة المغربية في كل المستويات علما ان مجالات تحرك الاكاديمي اوسع و ارحب من تلك التي تكون للسياسي او الاداري و بذلك يحصل التكامل .
فبعد كل هذا و بعد الاشارات و التنبيهات و استحضارا لمبادرات و قرارات جلالة الملك محمد السدس تجاه افريقيا من خلال اتصالاته وجولاته عبر قطعه مات الالاف من الكيلوميترات وهو يدشن ويزور دولا افريقية شقيقة وصديقة وما نتج عن دلك من قرارات مؤسساتية حكومية وخاصة في كل المجالات. الا يستحق دلك مواكبة للدراسات الافريقية لهاته المشاريع من خلال بنية وطنية متكاملة معرفيا و لغة و اداريا تتقاطع مع كل السياسات العمومية تجاه افريقيا و تعمل على تجميع تاريخ هاته العلاقات المشتت هنا وهناك وبذلك تزيد مكانة اساتذتنا الباحثين المختصين ويزيد عطاءهم وانتاجاتهم .
لكن مع كل اسف كان للحكومة السابقة رأي اخر إذ جمدت المعهد لمدة تقارب الست سنوات و عطلت دينامية الاساتذة الباحثين هناك و قرت ادماج معهد الدراسات الافريقية و معهد الدراسات الابيرية ومعهد البحث العلمي في معهد واحد لم يشتغل بعد .قد يكون ذلك مبررا لكننا نعتقد ان كل التبريرات والحجج لن تبلغ درجة اهمية و مكانة المبادرات الملكية لسنوات تجاه القارة الافريقية كما انها لن تعدم فكرة مشروع ايجاد مؤسسة وطنية تعنى بقضايا افريقيا والأفارقة في زمن تمحي فيه الحدود بين المعرفي والاقتصادي والاجتماعي و السياسي .فهل كانت الحكومة السابقة مصيبة / بالمعنى الفصيح للكلمة / في قرارها ام كانت مصيبة بمعناها الدارج . الزمن واراء المهتمين والفاعلين
سيساعدنا على الجواب.
لكل ذلك نوجه نداءنا الى المسؤولين بالتفكير الجدي الذي يستحضر تاريخ المغرب و حاضره من اجل مستقبله في قلب افريقيا و من اجل افريقيا و مع افريقيا .