التصويت الاجباري في الميزان
حميد المعطى
كشفت إحصائيات أن نسبة مشاركة الشباب المغربي، في الانتخابات الماضية في المدن الكبرى لم تتعد 20 في المائة، وأن حوالي 70 في المائة من الشباب لا يثقون في الأحزاب السياسية.
وسجلت الانتخابات التشريعية لسنة ،2016 مشاركة سياسية ضعيفة بلغت 43 في المائة؛ إذ صوت في الانتخابات ستة ملايين و750 ألفا من أصل قرابة 16 مليون مغربي مسجل في اللوائح، وفق أرقام صادرة عن وزارة الداخلية.
ويرتقب أن يثير موضوع التصويت الإجباري، الذي أثارته وزارة الداخلية هذه الأيام بالتشاور مع الأحزاب السياسية، جدلا داخل المشهد السياسي المغربي بين من يعتبره آلية لتكثيف المشاركة في العملية الانتخابية، وتمكين المغاربة من ممارسة حقهم، وبين من يرى فيه إجهازا على حرية التعبير لـ »حزب المقاطعين ».
فبالنسبة لمؤيدي التصويت الإجباري فيعتبرونه، يضمن مشاركة أكبر من الناخبين. و هذا يعني أن المرشح أو الحزب المنتصر يمثل بشكل واضح أغلبية السكان، وليس فقط أولئك الأفراد المهتمون بالسياسة، والذين سيقومون بالتصويت بدون إجبار، وهذا يساهم في ضمان أن لا تهمل الحكومة فئات المجتمع الأقل نشاطا من الناحية السياسية.
إن القادة السياسيين الذين ينتصرون في الانتخابات تحت نظام تصويت إجباري، يمكنهم ادعاء قدر أكبر من الشرعية السياسية، من أولئك من نظرائهم الذين ينتصرون في انتخابات لا تطبق التصويت الإجباري والتي يقل فيها إقبال الناخبين على التصويت.
إن إقرار التصويت الإجباري، يستلزم توفير وسائل النقل للناخبين البعيدين من مكاتب التصويت وتنظيم الانتخابات يوم الأحد أو يوم عطلة حتى يتسنى للموظفين، والمستخدمين والعمال الحضور إلى مكاتب الاقتراع، وإحداث مكاتب متنقلة لزيارة المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة للتصويت في مقرات سكناهم..
إذا كان الناخب لا يرغب بانتخاب أي من الخيارات المتوفرة، فيمكنه التصويت بالورقة البيضاء أو الملغاة، باعتبار ذلك أفضل من عدم التصويت وبعض السلطات تتيح للناخب أن يختار « لا أحد مما سبق » إن كان لا يدعم أي من المرشحين، وذلك لإظهار امتعاضه من قائمة المرشحين.
وقد يشجع التصويت الإجباري، الناخبين على البحث ودراسة مواقف المرشحين السياسية بشكل أكثر دقة. بحكم أنهم سيصوتون على أية حال، فربما يدفعهم هذا للاهتمام بطبيعة المرشحين السياسيين الذين سيمنحونهم أصواتهم، بدلا من عدم المشاركة..
وبدون شك فإن نسبة المشاركة تزيد في الانتخابات الوطنية والتشريعية 7 في المائة وتزيد أكثر في الانتخابات المحلية 12 في المائة، حسب بعض الدراسات والاستطلاعات الأوربية.
يلعب التصويت الإجباري دورا تعليميا ويقوم بالتحفيز للمشاركة السياسية، مما يخلق شعبا أكثر اطلاعا وتمدنا ومواطنين أكثر وعيا. .
أما بالنسبة للمعارضين فإنهم يعتبرون أن أي نوع من الإجبار يؤثر على حرية الفرد، كما أن تغريم من لا يقوم بالتصويت شطط وحيف.
إن التصويت الإجباري في جوهره هو نوع من التعبير الإجباري، وهو ما ينتهك حرية التعبير لأن الحرية التي يملكها المرء في التحدث هي الأصل، تتضمن بالضرورة حرية أن يختار الصمت.
البعض لا يدعم فكرة التصويت الإجباري، بالذات إذا لم يكن لديهم أي اهتمام بالسياسة أو معرفة بالمرشحين. بينما قد يوجد آخرون مطلعون جيدا، لكن ليس لديهم تفضيل معين لأحد المرشحين، وليس لديهم الرغبة في دعم النظام السياسي الحالي..
بينما يوجد معارضون للتصويت الإجباري، على أساس مبادئ معينة. مثلا، بعضهم يؤمن بأن العملية السياسية بطبيعتها فاسدة، ويفضلون التقليل من مشاركتهم الشخصية في الأمر.
يرى مناصرو التصويت الطوعي، أن معدل المشاركة المنخفض في الانتخابات الطوعية ليس بالضرورة تعبير عن استياء الناخب (لأسباب سياسية محضة) أو لامبالاته بالسياسة (الانشغال بعمله أو هواياته). بل قد تعبر عن رغبة الناخب السياسية، والتي تدل على رضاه عن النظام الحالي(ساكنة الأحياء الراقية بالمدن نموذجا).
جميل أن تكون المشاركة في الانتخابات مكثفة، والأجمل التسجيل في اللوائح الانتخابية إلزاميا، وأوتوماتيكيا من البطاقة الوطنية وأن يكون الإقبال على التصويت طوعيا، ولكن التحولات المجتمعية والتقدم السريع في التكنولوجيات الحديثة جعل الناخبين يعزفون عن التصويت وهذه ظاهرة في جميع الدول وليست خاصة بالمغرب، مع انتشار الفردانية وشبكات التواصل الاجتماعي وعدم الاهتمام بالسياسة والنفور من الأحزاب السياسية …الخ
ولا يمكن للإلزام والإجبار والتغريم أن يحل المشكلة ويرفع من نسب المشاركة الانتخابية ويجعل المواطنين يتصالحون مع صناديق الاقتراع. إن الحل في نظري له ثلاثة أبعاد ومسؤوليات تتحمل الدولة أولاها بضمان الشفافية والحياد الإيجابي في جميع أطوار العمليات الانتخابية، مع توفير شروط التصويت الحسنة، من تقريب مراكز الاقتراع من الناخبين، أو توفير وسائل النقل وإحداث مكاتب متحركة تزور المرضى وذوي الاحتياجات في بيوتهم واعتماد التصويت الإلكتروني لتسهيل التصويت بالنسبة للشباب، أما ثانيها فتتحملها التنظيمات السياسية التي عليها أن تؤطر الناخبين، بأهمية الاقتراع وتعبئة مناصريها ومنخرطيها للحضور المكثف يوم الاقتراع، وثالثتها يتحملها المجتمع المدني بإطلاق حملات التحسيس والتوعية بأهمية العملية الانتخابية بالنسبة لمستقبل البلاد والعباد، وهكذا تسجل نسبة المشاركة التي ستكون مرتفعة بدون شك إلا من الذين يقاطعون سياسيا تعبيرا، منهم عن عدم رضاهم عن المنظومة السياسية ولهؤلاء رأي ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار في السياسات العمومية.