21 سنة بعد خطاب أجدير : هل ازداد عدد الناطقين بالأمازيغية؟

21 سنة بعد خطاب أجدير : هل ازداد عدد الناطقين بالأمازيغية؟
شارك

د الحسين بويعقوبي

منذ 2001، سنة إلقاء الملك محمد السادس يوم 17 أكتوبر خطابه بأجدير، قرب خنيفرة، لوضع الطابع الشريف على الظهير المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، معلنا بذلك عن البداية الرسمية ل »زمن الاعتراف » بالأمازيغية، وبعض مكونات المجتمع المغربي تحتفل بهذا الحدث. أقول بعض لأن هذا الاحتفال لا يلتزم به إلا المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وقلة من الفعاليات الجمعوية الأمازيغية و استثناء بعض المكونات السياسية المتعاطفة مع المطالب الأمازيغية. وهذا يعني أن مرور 21 سنة على هذا الخطاب التاريخي ليوم 17 أكتوبر من كل سنة لم يحقق هدف تأكيد شعار « الأمازيغية مسؤولية وطنية »، ولكن على العكس من ذلك يكرس شعار « الأمازيغية مسؤولية المهتمين بها ».

تسعفنا هذه الملاحظة لطرح سؤال « ماذا تحقق للأمازيغية منذ خطاب أجدير؟ »، أي بعد مرور 21 سنة (2001-2022)، هل ازداد عدد الناطقين بالأمازيغية؟ وهل ما تحقق يناسب عدد السنين؟ أم أن ضعف ما تحقق مقارنة مع عدد السنين يزيد من تعقيد وضعية هذه اللغة؟ إذا علمنا أن الأمازيغية عانت لقرون من إقصاء مؤسساتي نتج عنه تأخر تاريخي يحتاج تداركه لمصارعة الزمن بدل هدره.

إن الجيل المخضرم من المهتمين بهذا الموضوع والذي قسم عمره ما بين « قبل 2001 » و « بعد 2001″، لا يمكنه إلا أن يقر بوجود تقدم كبير على مستوى تعاطي الدولة المغربية مع المطالب الأمازيغية، ما لم ينظر إليه، كما هو الحال لدى البعض، نظرة ارتياب وشك ويفهم منه سعي الدولة لاحتواء « القضية ». ومظاهر التقدم بادية للعيان، وأول من سيراها هو جيل ميثاق أكادير لسنة 1991 الذي رأى المطالب التي سطرها في الميثاق تتحقق، بل تحقق أكثر منها حين اعترف دستور 2011 باللغة الأمازيغية « لغة رسمية » للدولة، بعد أن طالب الميثاق بوضع « لغة وطنية » فقط، ولم تستجب الدولة لمطلب الحركة في رسمية اللغة الأمازيغية الذي تقدمت به في مذكرتها خلال التعديلات الدستورية لسنة 1996، وجددته في « البيان الأمازيغي » لسنة 2000. أما المطالب المتعلقة بالتعليم و الإعلام فقد تحققت جزئيا قبل دستور 2011 (بداية تدريس اللغة سنة 2003، بداية شعب الدراسات الأمازيغية سنة 2007، إطلاق القناة الأمازيغية سنة 2010)، وتم الإعلان منذ 2002 بأن تعميم تدريس اللغة الأمازيغية ستحقق بعد عشر سنوات أي 2012 وهو ما لم يتحقق إلى اليوم.

إن المقارنة بين المدة التي مرت من عدد سنوات « زمن الاعتراف » (21 سنة) و ما تحقق فعليا للأمازيغية على أهميته، يجعل المدة أكبر من المنجز. ومن أهم الأوراش التي لا تقدم معطيات ايجابية في هذا الشأن ورش تعليم الأمازيغية، الذي يعد نجاحه بداية نجاح التفعيل الحقيقي لرسمي الأمازيغية. إن فشل الحكومة في تحقيق تعميم تدريس الأمازيغية (2002-2012)، كما وعد به في بداية زمن الاعتراف يعد أكبر مؤشر على محدودية المنجز المحقق. فالمفروض أن الطفل المغربي الذي ولد سنة 2001 والذي وصل اليوم 21 سنة من عمره يكون متقنا للأمازيغية بفضل المدرسة، وهو ما سيزيد من عدد الناطقين بهذه اللغة، لوقف نزيف التراجع الذي يعرفه منذ الاستقلال إلى اليوم، وأكدته معطيات الإحصاء العام للسكان لسنة 2014. لم يتحقق ذلك لأن لا أحد من الأطفال المغربة درس الأمازيغية في جميع المستويات التعليمية. وسيكون من المفارقات العجيبة حين يؤكد الإحصاء المقبل في 2028 هذا التراجع رغم تدريس الأمازيغية منذ 2003.

خلال الواحد و العشرين سنة هذه تم هدر تسع سنوات (2011-2019) من زمن « تنمية الأمازيغية » في انتظار المصادقة على القانون التنظيمي 26-16 لتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي قدم في نهاية الولاية الحكومية الأولى للعدالة و التنمية مع عبد الإله بن كيران، ولم تتم المصادقة على « المخطط الحكومي المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية » إلا في نهاية الولاية الحكومية الثانية  للعدالة و التنمية مع سعد الدين العثماني، أواخر 2021. كما أن قرار تدريس الأمازيغية في بعض المعاهد العليا لم يحقق النتائج المرجوة. وبفعل تداعيات أزمة كورونا استمر هدر زمن « تنمية الأمازيغية » لسنتين أخريين. ولا تبدو الأمور مشجعة في العديد من القطاعات الأخرى (القضاء و الإعلام، والإدارة العمومية…) رغم ما يتخذ من حين لآخر من قرارات لازال الوقت مبكرا لتقييم نتائجها. ويمكن القول أن غياب حملة تواصلية كبرى من طرف الدولة المغربية في كل وسائل الإعلام لشرح الدلالات العميقة للاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية للدولة جعل مرور 21 سنة من « زمن الاعتراف » لم يحقق تملك كل المغاربة لهذا الموضوع رغم تزايد الوعي به، وهو ما يستوجب جعل يوم 17 أكتوبر « اليوم الوطني للأمازيغية » لتحسيس الجميع بأهمية هذا الموضوع. ويبقى أحد المقاييس الأساسية لمعرفة تطور اللغة و الثقافة الأمازيغية في « زمن الاعتراف » هو تزايد عدد الناطقين بهذه اللغة وضمان تناقلها بين الأجيال وحيوية الإنتاج الثقافي بها، ثم حضورها القوي في الفضاء العام، ما عدا ذلك فهي لازالت في تراجع مستمر، ويزيد ذلك تأكيدنا على أن أكبر عدو للأمازيغية في « زمن الاعتراف » هو « الزمن »، ولابد من وعي الحكومة بذلك لتجنب هدره.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *