ثلاثة اسئلة حول السينما
يونس وانعيمي
ونحن نشهد احتفال السينمائيين المغاربة وضيوفهم بالمهرجان السينمائي الدولي لمراكش، ونتابع « ترنح » الكثير منهم فوق بساط احمر اللون اسود « الخلفية » وهم يمشون فوقه مرحا، جاءتني فكرة كتابة هذا المقال الذي اردته أن يحيط بثلاثة اسئلة هيكلية حول السينما.
1- ما السينما اليوم ؟
السينما ليست منتجا استهلاكيا بمدة صلاحية محددة. حيث علينا الانتباه دوما لقراءة تواريخ انتاج الافلام وتواريخ انقضاء مدد صلاحياتها حتى لا يصيبنا ذلك « التسمم السينمائي » بسبب افلام نافقة. السينما ليست شبيهة بالتاريخ حتى ولو كان لها تأريخ وماضي وبدايات واطوار تطور. السينما ليس لها ماض وحاضر ومستقبل نضعها هكذا بشكل خطي كحكايات حتى ولو كان الحكي هو عصبون وجذع السينما. لكن ماذا أقصد بلا تاريخية السينما ولا خطية مسارها؟
العمل السينمائي الأصيل (بمعناه المتجدد وليس المتكرر) هو ما يستدمج كل الإبداعات الفنية وينهل منها كل الأبعاد الإنسانية. وبالتالي فالمجدد في السينما لا يحكم احكاما مسبقة ونهائية على عدم صلاحية الأفلام الصامتة مثلا، بذريعة الصخب التكنولوجي المتاح اليوم، ولا يحكم مسبقا على نفوق رومانسية سينما بوليود او هوليود بداية القرن، بذريعة انها سينما تعكس « السذاجة الوجدانية لإنسان بداية القرن » مقابل « الانسان المعاصر الشاطر واللبيب ». فكل الأعمال السينمائية التي دارت في فلك « الانسان الثواق لحريته » تبقى قابلة لإعادة « تدوير إبداعي ». وأعتذر عن لفظ التدوير الذي اقترضته من عوالم الصناعة المستدامة. هنا مربط الفرس، السينما المستدامة لا « مزبلة لها » لأن كل ما انتجه الإبداع الانساني في السينما يبقى مفيدا للتجديد وبالتالي فسؤال « ما السينما اليوم؟ » حتى ولو كان يقصد ضرورة تجديد أدوار السينما فنيا، فهو سؤال يستبطن اخفاء فكرة مفادها ان السينما لم تتزحزح عن وظائفها الفنية الهوميروسية الأولى وظلت مرتبطة بدور ملامسة مأساة الانسان (المتجددة دوما) بسبب تيهه الوجودي والميتافيزيقي.
2كيف نجعل السينما حرة وقاطرة لتغيير نظرتنا للحياة؟
حتى ولو كان السؤال « متبرجزا » سعيدا حافلا بالأمل المعلق على الفنون كوسائل للرقي الانساني، سأقول بأن السينما حتى وهي فن وإبداع مفروض ان يكون حرا، فهي تبقى « صناعة » رأي عام حول قيم مشتركة (الواجب، الانتماء، الحب، الخير، الحرية…)، ولكن، أين يصنع الرأي العام؟ لا أعرف بالضبط، فقط انا متيقن انها تتم في مصانع من له السلطة (سلطة الحكم وامتلاك ثروات الانتاج ووسائل التعبير …).
هل اجهز هنا واضرب السينما بمسدس كاتم الصوت ؟ هل المح ان السينما متورطة مع السلطة؟ حيث لكل سلطة منظومة قيمية (مؤدلجة) تريد الترويج لها عبر الفن. فقط انظروا للطغاة في التاريخ: وهم يعلمون انهم ليسوا بأنبياء حقيقيين وليس لهم معجزات تحرز السعادة الانسانية، توجهوا كلهم للفنون وللفنانين. ومنذ البدأ كان الرسام والنحات والشاعر والمسرحي والسينمائي، إما في بلاط السلطة او في غياهب السجون او المنفى والهروب.
صحيح اننا ولله الحمد انتهيتا من بطش الفراعنة وجبروت الأباطرة إلا ان السينما وللأسف تبقى مهندسة لرقصات سبق وأن حددها من دفع ثمنها مسبقا.
لكن حاشا وان تكون السينما « قوادة »… لكن مصيرها المحتوم هو ان تجد مسلكا ابداعيا لتمرير خطابات التحرر (الوجودي والفلسفي) في خلسة من الإكليروس (الرقابة الاخلاقية) الذي غالبا ما يشتغل لحساب رقابة سياسية توظفه.
ولأن المواضيع الكبيرة (عنف الدولة، استغلال الثروات، تسفيه عقل وذوق الانسان ..) تبقى مستعصية ويستلزمها تمويل ومؤازرة كبيرين، فإن اشجع السينمائيين يستقر عند المآسي الصغيرة لذلك اليومي le quotidien غير المفهوم بدون المجازفة في تسليط الضوء عن منابعها الهيكلية الفوقية.
3- هل السينما في آخر المطاف نوع أدبي حظي بفرصة الصوت والصورة؟
انا من أشد المعجبين بأولئك المخرجين السينمائيين شديدي الارتباط بالأدب والكارهين لكل النصوص التبسيطية عن الواقع. بل ربما سأقول بأن « سينما النص » تتجاوز الأدب نفسه باعتبارها ادبا ثلاثي الأبعاد 3D (قضية أدبية؛ سيناريو؛ تمثيل وتشخيص). والجميل في السينما الأدبية او المراهنة على عمق أدبي في سيناريوهاتها، انها تعطي الحياة لقضايا أدبية نخبوية باردة (مادام العموم متماطل في قراءتها)، وتعطي الحياة لشخوص مختبرية وتخرجها من التخييل للواقع، وتعطي الحياة لكل الآثار النفسية التي رجاها الأدب ولم يضمن ابدا إمكانيات حدوثها… السينما ادب يمشي ويعيش ويدب بيننا وهو بالتالي مكمل روحي لوظائف الأدب إنسانيا.