التعبير بلا شيء

التعبير بلا شيء
شارك

 ذ/ ثريا الطاهري

  طنجة في 21 ديسمبر 2022

      كلمة « الشيء » يشمل معناها  الموجود والمعدوم، ويُمثل غالبا بالقيمة « صفر « 

          ولا شيء عبارة مختصرة، عندما تلتهمنا المواجيع، وتتوقف عندنا خيوط البوح او تنعدم ، ويمتلئ القلب بهذا الكل- شيء، فنعجز عن التعبير عما بدواخلنا لأن خروج الكلمات حينها  يكون علينا عصيا وبشكل كبير جدا، ويبقى تفسيرها موجع وغالبا ما لا يُفهم وجعنا ، وعندما نُسأل نكتفي قائلين : « لا شيء « ، لأن كل شيء يمر، ومع ذلك يبقى الامر غير منسي ،وربما حتى إلى الأبد.  رغم ان هذا المسمى ب  » لاشيء « لكن يظل ساكنا في  دواخلنا ،مقلقا لراحتنا وسكوننا .

         فعندما نجرح أو نهان من اعز الناس الينا، تكون آلامنا أقوى بكثير  من اي بوح أو صراخ، ومعها القلب ينزف بأوجاع جارحة ،وقد نُسأل :  ما بكم ؟ ماذا جرى ؟ فيكون جوابنا بتلك الكلمة السحرية « لاشيء »، وتبقى اجاباتنا في جوهرها مجرد أفعال غالبا تمنعها الرغبة في التعبير الصريح  والبوح الشافي، وعندئذ نكتفي ب « لا شيء  » أو « والو  » حتى لا نخسر الاخرين ، ولو انهم – على تعبير  الفيلسوف الوجودي (سارتر) – هم جهنم .فيبقى التعامل هنا بطبعنا وانطلاقا منه ،لا بطبعهم مهما تعددت تصرفاتهم ، علما أن هذا ليس ضعفا، فالقوة ليست دائما فيما نجيب به  أو نقوله  ،بل هي في الكثير من الأحيان تكمن فيما نصمت عنه، وفيما نتجاهله وعن قصد.

         عندما نكون في أمس الحاجة إلى شيء ما ونسأل: هل أنتم في حاجة لشيء ما ؟ ونجيب ب « لا شيء » حرصا على عزة النفس ،سيما وان الحال يحكي بما لا يقال.

 ويبقى الإيمان هنا ذاك النور الساكن في قلوبنا ،والمستمد  من اقتناعنا الراسخ بمختلف القيم الكونية الصائنة لكرامة الفرد والمشبعة بشعائر  الايمان والطهر الدائمين.

         وحينما تتعبنا التراكمات، وتجثوا جبال الهم فوق صدورنا بكلكلها ،فانا نتألم حتى يُظن أننا انتهينا، او انا سائرون في ذاك المنحى ، وقد نلجأ الى البكاء في الكثير من أوقات عجزنا وضعفنا، ثم نعود  بعدها لرداء الابتسامة ،ومطية التناسي ، رغم كل الانكسارات والضربات ،باحثين  عن الأمان والصفاء وقد لا نجده في الكثير من الأحيان، فتمطرنا الأسئلة المتنوعة  والمستمدة من لازمة » ما الأمر »؟ وعندها  تكون كلمة » لاشيء » أو »والو  » هي البلسم والأجدى من أي شكل من أشكال التعبير.

         وتبقى الكثير من خطاباتنا مثقلة بالعديد من الأسئلة التي لا يجاب عنها الا بالكلمة القن « لا شيء » او يعوض عن كل ذلك ب : ( نركبوا الهبال ) واختيار  قاطرة الصمت والسكوت .

 وفي العديد من الحالات ،قد تدفعنا الظروف للاختباء وراء هذا اللاشيء حتى لا نتحول  نحن وآلامنا الى قصص  للترفيه اوالى أحاديث السمر والنميمة – يشربو بنا اتاي –  ويتراقصون على أنغام جراحنا خاصة عندما نكتشف أننا تعاملنا مع أشباه الأهل واشباه الأصدقاء

 وقد نكون ملزمين بإخفاء اوجاعنا  عن طريق الابتسامة الزائفة والتمظهر بما لا نحن فيه أو عليه ، بحثا عن راحتنا ،أو هروبا من أي احراج لنا او للآخرين ، والحالة هذه فان اكثر الابتسامات وجعا  ، تلك التي  تأتي من بعد حديث طوعي وصادق عن أحلامنا ، مع ذاك الآخر  أو البوح أمامه / امامها بسر من  الأسرار ذات الصلة  بصبرنا، او بأحزاننا أو بما له علاقة بنا – من قريب او بعيد – .

وبمرور الايام وتواليها  وحتى نرتاح ،ونكون في مأمن من الطوارىء ، ينبغي ان نحرص على دفن كل  الأمور التي اخفيناها ولم نبح بها لأي  أحد  ،لان التعبير بالسكوت أحسن من قول  كلمة « لا شيء »  ، خاصة عندما نكون في حضرة  بعض العقليات المحلقة خارج السرب ، او  مع بعض الأفواه والألسن الطويلة التي تتفنن في الاساءة وادماء الجروح، ويبقي – هنا – اختيار الصمت  أفضل حالة حمائية لنا من شرور أولئك  اللامبالون ، ونكون – والحالة  هذه –  مجبرين على عدم  الخلط بين  » لا شيء  » و »السكوت  » ، لان اللاشيء هو وضع نقطة آخر السطر، واعلان الانتهاء  من اختيار الجواب الكافي والمناسبات، في حين   أن السكوت هو اختيار الصمت.

       وأحيانا نكون ملزمين بان نتعامل مع معطيات الحياة بوسطية، بعدها  الأول ينطلق من ضرورة أن  نواجه بأدب أو نتصرف بذكاء ملوحين بالأصابع والحال يقول : لا شيء، أما بعدها الثاني يؤكد على اختيار الابتعاد  بدون نقاش، دون عناء، ودون عتاب، لأننا في المكان الخطأ، ندير ظهرنا ونترك ذاك الآخر  يفهمها كما يشاء ، فلا شيء مهم، ولاشيء يبقى.

       وعطفا على كل ما تقدم ،وتأسيسا عليه ،فلا مناص لنا   في أن نكون صامتين وكل شيء بداخلنا يتكلم،  وعندئذ فلا أحد يفهم معنى أن دواخلنا تغلي وتفور ، ونحن في قمة الثبات، حرصا على تشبتنا بقيمنا واخلاقنا ونظافة سرائرنا، عوض  ان نختصر احاسيسنا ومشاعرنا  ونجمعها تحت قناع زائف وتنكري وابتسامة هادئة ،تستجمعها تلكم الكلمة السحرية، المحددة في   » لا شيء « 

      ومهما يكن من أمر وحتى وإن لم يحدث أي شيء، نكون قد احسنا الظن بالله، عسى أن يجبر قلوبنا ،فلا أحد  سواه قادر على فعل ذلك بنا .

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *