التابعات الاقتصادية للزلزال

التابعات الاقتصادية للزلزال
شارك

الدكتور سيف الدين شائق

تابع الشعب المغربي، والعالم أجمع، ما خلفه زلزال فتاك ضرب مناطق الحوز وتارودانت ووصل مداه وضرره إلى أبعد من ذلك. نسأل الله تعالى، أن يرفع هاته الأزمة عن بلدنا ويرزق الصبر والسلوان لذوي الضحايا، ولسائر المغاربة الذين تابعو أطوار هذه الكارثة، الأصعب في تاريخ المغرب منذ أزيد من 120 سنة.

بعيدا، عن إحصاء الخسائر الجسدية وفي البينية التحتية، نريد بهذا التحليل، وضع المنظار على تأثير الزلزال بصفة عامة، وبصفة خاصة لحالة المغرب، على النمو الاقتصادي.

يرتبط التأثير الاقتصادي ارتباطًا وثيقًا بالتأثير الاجتماعي الذي تحدثه الزلازل، والذي يمكن أن يكون قصير أو طويل المدى. وبطبيعة الحال، يعتمد التأثير الاقتصادي على المستوى الاقتصادي للبلاد وكذلك على حالة بنيتها التحتية؛ ومع ذلك، فإن الآثار قصيرة المدى للزلازل عادة ما تشمل تدمير الشركات والصناعات، فضلا عن البنية التحتية اللازمة. علاوة على ذلك، يمكن في بعض الأحيان ملاحظة قضايا مثل النهب والسرقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تدمير الطرق والسكك الحديدية، بالإضافة إلى العناصر الأخرى المتعلقة بالنقل، يؤثر سلبًا على الاقتصاد لأنه يزيد من تعقيد العلاقات التجارية.

بالإضافة إلى العواقب قصيرة المدى، هناك أيضًا التأثير الاقتصادي طويل المدى الذي تسببه عادةً الزلازل. يشمل الأثر الاقتصادي طويل المدى عادة ضرورة إعادة البناء، سواء كانت البنية التحتية أو شبكات النقل أو منازل الناس. ويستغرق هذا الأمر وقتًا طويلاً وتكلفة كبيرة، حيث تتطلب إعادة الإعمار عادةً استثمارات ضخمة في المنطقة المتضررة. «وبالتالي تنخفض النفقات على التنمية الاقتصادية، مما يؤدي إلى خسائر في الدخل». وفقًا للبحث الذي أجراه مركز أبحاث أوبئة الكوارث المتمركز في بلجيكا (CRED)، بلغت الخسارة الاقتصادية المرتبطة مباشرة بالزلازل ما لا يقل عن 661 مليار دولار بين عامي 1998 و2017.

على سبيل الذكر، أدى الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا في السادس من فبراير إلى مقتل ما لا يقل عن 45 ألف شخص، وتشريد الملايين فيما يقرب من اثنتي عشرة مدينة، وتسبب في أضرار فورية تقدر بنحو 34 مليار دولار ــ أو ما يقرب من 4% من الناتج الاقتصادي السنوي للبلاد، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. لكن التكلفة غير المباشرة للزلزال قد تكون أعلى كثيرا، ولن يكون التعافي سهلا أو سريعا. فقد قدر اتحاد الشركات والأعمال التركي التكلفة الإجمالية للزلزال بـ 84.1 مليار دولار، نصيب الأسد منها للإسكان، بـ 70.8 مليار دولار، مع ربط الدخل القومي المفقود بـ 10.4 مليار دولار وأيام العمل الضائعة بـ 2.91 مليار دولار.

فيما يخص المغرب، أصدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إنذارًا أحمرًا بشأن الخسائر الاقتصادية نتيجة الزلزال وقالت الوكالة « من المحتمل حدوث أضرار واسعة النطاق ومن المرجح أن تكون الكارثة واسعة النطاق ». وتقر نفس الهيئة أن الخسائر الاقتصادية المقدرة تصل إلى 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب. وقالت الوكالة التي يقع مقرها في فيرجينيا إن الأحداث الماضية بهذا المستوى من التأهب تطلبت استجابة على المستوى الوطني أو الدولي. كذلك، قد تصل الأضرار الناجمة عن الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب يوم الجمعة إلى 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفقا لأحدث التقديرات

الصادرة عن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية. وسيكون ذلك حوالي 10.7 مليار دولار، بناءً على تقديرات الناتج المحلي الإجمالي للدولة الواقعة في شمال إفريقيا لعام 2022 البالغة 134.18 مليار دولار، وفقًا لبيانات البنك الدولي.

ويعاني المغرب بالفعل من انكماش اقتصادي كبير. وانخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 7.9% إلى ما يقدر بنحو 1.2% بين عامي 2021 و2022، وفقًا للبنك الدولي. وقال هذا الأخير إن التضخم الأساسي قفز إلى 8.5% في فبراير من هذا العام، مما أثر بشكل غير متناسب على الأسر الفقيرة.

وسيكون أول المتأثرين هو قطاع السياحة الذي ما فتئ أن يستعيد عافيته شيئا ف شيئا بعد جائحة كوفيد. فقد سجل إقليم الحوز، مركز الزلزال، من جهته 308 ألف ليلة مبيت نهاية يونيو، مقابل 137 ألف ليلة في النصف الأول من 2022. وفي مراكش المتضررة أيضا من الزلزال، تم حجز 4,4 مليون ليلة مبيت. في الأشهر الستة الأولى من العام، مقارنة بـ 2 مليون خلال نفس الفترة من عام 2022. وفي المجمل، يتوقع المغرب أن يستقبل 13 مليون سائح أجنبي هذه السنة، من بينهم 4.2 مليون فرنسي. لكن الزلزال قد يشكك في هذه التوقعات حيث يخشى العاملون في مجال السياحة رؤية السياح يفرون من البلاد. على سبيل المثال، قامت بعض الشركات، مثل TUI France، بإلغاء جميع الرحلات المخطط لها نهاية هذا الأسبوع في مراكش وأكادير، كدليل على» احترام الضحايا «.

يمر المغرب في هذه اللحظة من كارثة طبيعية ستؤثر لا محال على التوازنات الاجتماعية والاقتصادية، وستتطلب عملا جادا من جميع الفاعلين، وكذا تلاحم كافة أطياف الشعب المغربي المعروف بكرمه وصلابته، للحد من توابع هذا الزلزال على المدى القصير والبعيد.

ونسأل الله القادر، الرحمن الرحيم بعباده، أن ينجي بلدنا، ويصبر أهالينا، ويجيرنا في مصيبتنا، إنه مجيب الدعاء.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *