ملاحظات حول » فيلم نايضة «؛ في الحاجة إلى الإستيطيقا قياسا على فيلم الإرهاب والكباب
بقلم: الأستاذ سعيد أولعنزي تاشفين
شاهدتُ فيلم » نايضة « ، لمخرجه ومنتجه والبطل الرئيس فيه سعيد الناصري، مرتين قصد فهم الرجة التي خلقها على الأقل في مستويين إثنين: الأول حضوره في النقاش في وسائل التواصل الاجتماعي، والثاني حجم المتابعة التي فاتت 11 مليون مشاهدة في أسبوع واحد. ولإبداء الرأي والتفاعل أسجل الملاحظات التالية:
* المبالغة في التركيز الجماعي على مضمون الفيلم دون منح ما يليق من أهمية للجوانب الفنية من ديكور وفضاء وشخوص وهندسة جمالية وسيناريو وأداء وحبكة ، بحيث تعمّق التعاطف مع ملامسة الفيلم لما يخدش اللاشعور الجمعي للمغاربة من أنين مرتبط بمشاكل قطاعات اجتماعية في مقدمتها معاناة المغاربة مع المستشفيات العمومية ، سيما مع ذكاء المخرج في توظيف مرض الأم الذي يعتبر أهم جرح سيكولوجي لازم ويلازم مختلف الطبقات الشعبية من المغاربة الذين دخلوا غمار الوجع في طلب علاج أمهاتهم في مستشفيات عمومية يتفق الجميع على إخفاقها في ضمان الحق السليم في الصحة ؛ وهو ما رفع نسب المشاهدة لصالح الفيلم كصيغة نضالية تحتج ضد الفساد بشكل ما أكثر منه صناعة جمالية وسيناريو فني يعتمد على سردية استيطيقية .
* تقديم الفيلم في قالب شعبوي مباشر ينقل معاناة الطبقات السفلى من المجتمع داخل فضاءات مدينية تأوي الفقراء كما هو الحاصل مع ما يسمى ب » حي باشكو » بالدار البيضاء ، كأكبر حي صفيحي سابقا ، أو بجل الأحياء الشعبية في كل المدن المغربية حيث يلتقي الفقر بالجهل بالتهميش ، مع ما ينتج عن ذلك من تمظهرات البؤس المفضي إلى ميلاد تعبيرات متعددة تحتج ضد ذلك الوضع المزري ؛ وهو ما يجعل التضامن قوي عضويا مع كل فعل سينمائي أو غنائي ( الرّاب ) يُدين ما يطال المغاربة من حيف في قطاعات اجتماعية في مقدمتها الشغل والسكن والتطبيب ضمن إعادة إنتاج البؤس لصالح دغدغة وجدان العوام بصيغ تقريرية مباشرة .
* على مستوى المضمون فالفيلم يناقش بشكل أساس مشاكل الصحة والفقر وصعوبة الولوج إلى التطبيب وتخاذل الطبقة السياسية في مواكبة آهات المواطنين من القاع المجتمعي، لكن دون قدرة المخرج على اعتماد سيناريو دقيق في اللغة والخطاب؛ ذلك أن العبارات المعتمدة في التعبير عن المضمون بسيطة جدا وتتماهى ميكانيكيا مع السوق الاجتماعية بالمواصفات المسيطرة من فقر وجهل وتهميش وبؤس، وعن قصد بغية المساس بسيكولوجية الجمهور المستهدف من داخل الطبقات الشعبية البسيطة جدا في وعيها الثقافي. ولهذا ركز مخرج الفيلم على مضمون واحد بمتابة الفكرة الأساس للفيلم وهي » الحكٓرة » والازدراء حيال الطبقات الشعبية في الأوساط المهمشة تحديدا بما خلق تعاطفا كبيرا مع صاحب الفيلم أولا ثم مع الفيلم ثانيا أكثر منه الاستمتاع بعمل فني محترف وفق قوالب الصْنعة السنيمائية.
* على مستوى الديكور واللمسة الجمالية نسجل ضعف الاهتمام بهذا الجانب الإستيطيقي بما جعل الفيلم عموما جافا، عكس المبالغة في رسم مشاهد البؤس المقتبسة مباشرة من الواقع المعيش في الأحياء الشعبية وفي دور الصفيح دون أدنى مجهود جمالي وفني لصالح مناقشة واقع مجتمعي بلمسة فنية – جمالية ترتقي بحس الجمهور بدل التماهي معه. ومنتهى المبالغة في التركيز على نقل صورة الفقراء مع أعطاب الولوج إلى الصحة وإلى الإدارة، مع تسويق صورة مباشرة عن تخاذل الطبقة السياسية؛ يفيد أن الفيلم، بصيغة أوضح، لم يعير العناية المطلوبة للجوانب الفنية والجمالية، بل اعتمد الصيغة التقريرية الجفة في نقل تجليات البؤس من الأحياء الشعبية نحو الشاشة الصغيرة ضمن فعل نضالي يعيد تكرار مشاهد البؤس، أكثر منه صناعة فنية – جمالية – استيطيقية – سنيمائية تشتغل على عدة مستويات في الشكل والمضمون بتواز مطلوب لتفادي السقوط في سينما السوق.
* من باب فهم المعنى أعتبر أن نجاح فيلم نايضة يشبه ، إلى حد كبير ، نجاح أغاني الرّاب التي سجلت أيضا متابعات استثنائية فقط لأنها تناقش ما يعتبر عند السواد الأعظم من المغاربة طابوهات إما سياسية أو اقتصادية أو جنسية ، خاصة أن هنالك ميول سيكولوجي شبه عام في المجتمع بالبحث عن كل ما له علاقة بشكل ما ب » لفْضيحة » ، بحيث يكفي سرد مختلف النّكت التي تُضحك المغاربة لتجد أنها نكت جنسية أو سياسية أو دينية ؛ وكأننا ، نفسيا ، أمام المكبوتات الجمعية في الثالوث المحرم الدين والجنس والصراع الطبقي ( هذا عنوان كتاب ل » بوعلي ياسين » ) ؛ لهذا نجد أغنية » شر زيدي كبي أتاي » ، وغيرها ، شهدت » نجاحا » كبيرا أيضا عبر منصات التواصل الاجتماعي لقدرتها على ملامسة اللاشعور الجمعي للمغاربة ضمن قاعدة » كل ممنوع مرغوب فيه » .
وفي الختام ، أزعم أن فكرة الفيلم مستمدة ، بشكل ما ، من فيلم » الإرهاب والكباب » الذي أبدع فيه عادل إمام ويسرا وكمال الشناوي وكل الفريق ؛ لكن بلمسة فنية قوية تناقش نفس ما ناقشه فيلم » نايضة » ، مع اختلاف في الشكل ، علما أن العنوان » نايضة » في حد ذاته شعبوي مستعمل بقوة في السوق الثقافية الشعبية حيث تفيد ما يعني » شاعْله » أي » مْرْوْنَه » أو » سخونة » بالدلالات التي يعرفها المغاربة فقط وفق المعتمد في اللغة المغربية » الدرجة » ، في حين أن » الإرهاب والكباب » يناقش المضمون ذاته لكن بتصور جمالي – فني – سينمائي مختلف وعابر للحدود . وهي دعوة لكل من يريد ممارسة المقارنة مشاهدة فيلم » الإرهاب والكباب » الذي لعب فيه عادل إمام ويسرا وكمال الشناوي الدور الرئيس ضمن تصور جمالي عميق، كما هي دعوة إلى مشاهدة كيف عالج عادل أمام مشاكل الطبقة السياسية والارتشاء وجهل الأثرياء في الفيلم الجميل » مُرجان أحمد مُرجان » حيث القوة في المضمون وفي الجوانب الفنية والجمالية أيضا وبتواز رائع.
وبناء عليه نرجو للمخرج والممثل سعيد الناصري مزيداً من التألق في أعمال أخرى، مع ضرورة مراعاة الجوانب الفنية مستقبلا تفاديا للتقريرية في نقل ميكانيكي للأحداث المأسوية من الواقع المادي المعيش إلى الصورة السينمائية دون أدنى مجهود في الحبكة والمحاكاة على أساس فني – جمالي – استيطيقي مطلوب تفاديا للسقوط في متاهات إعادة تسويق البؤس عبر التماهي مع جحافل المحكٓورين من خلال ركوب موجات السينما.