خواطرعن كتابة المساء أحكي
ذة / ثريا الطاهري الورطاسي.
دائما ومنذ زمان قد ولى وإلى اليوم أمسك القلم وأتعمق في الأفكار لأدون ما شاء لي من الخواطر،أكتب لمتعة الكتابة التي تريحني أكثر من المحادثة.
أكتب لنفسي – قبل أي كان – دون ملل، بحب وشغف متناهيين.
أكتب وأدون في دفاتري ما يرضيني وحتى ما يؤلمني، يطاوعني قلمي ويخط دون قيود أو وصاية مني عليه، يكتب ما تجود به قريحتي، ويعبر عما يجول في خاطري، ودون أي تجاوز للخطوط الحمراء التي يحددها له مخايلي.
أكتب بالأساس لمتعة الكتابة، رغم تطور التكنلوجيا وانتشار الحواسيب، قد تستغربون إن قلت إني لا أجيد استعمالها رغم أنى نعيش الألفية الثالثة. وربما تضحكون إن عرفتم أني مازلت أتعلم ابجدياتها وأنا في هذا العمر، بعد أن اخذت مني السنون ما اخذت ،فأنا مازلت – بالنسبة لكل التقنيات الحديثة – في مرحلة التعليم ما قبل المدرسي، ولا أشعر بأي خجل وأنا اعترف بجهلي هذا – ويعود بالأساس الى تقصير كبير مني- قد تكونون أقوياء بالتكنلوجيا وتطوراتها ،بينما حرصت على ان ابقى ملمة ومتمكنة من كل ماله علاقة بالتاريخ وما يدور في فلكه، بحكم تخصصي، واعرف ماضي الثورة التكنولوجيا ومراحلها منذ القرن الثامن عشر طبعا بحكم دراستي الجامعية .ومع كل ما يفترضه عصر الاعلاميات والتطور التكنولوجية ،فلا زلت أعيش متعة الكتابة على الورق والقراءة بكل ما اوتيت من حب وشغف. وتأسيسا على ذلك
اعتبر الكتابة آلية للتعبير عن الدواخل، وإبداء ما يخالجني، أحيانا أكتب بدون قلم حين يهجرني النوم وأنا ممددة على الفراش، اتقلب يمينا وشمالا واروح جيئة وذهابا بين أفكاري واحيانا ينتهي الأمر بي إلى تخيل سقف الغرفة وكأنه سبورة القسم الذي كنت أعمل به ،تلك السبورة الخشبية السوداء، فاشرعها ذاكرتي وتنساب الكلمات لأكتب كل ما تجود علي به افكاري وما يخطر وقتها علي ،واخطط الخطوط العريضة كما كنت أفعل دائما في تحضير الدروس، واسترسل في الكتابة شفهيا – بدون قلم – ثم اتوقف فجأة لأجد اللوح مليئا بالكتابة، اقلب السبورة رغم ظلام المكان ودامسيته، وتنبثق دائما شعاعات زاخرة بكل ما هو جميل لتبدد ظلامات الوقت والأرق، وتبعث في الأجفان والذاكرة خيوطا من أمل مطاردة النوم ،وللحد من الكتابة الذهنية المنسابة بدون اية نهاية، ولأصحو على ضياع كل الذي كتبته ليلا، وبذلت من أجله كل أرقي واعصابي، وكأني اطاردها طواحين الهواء.
وأحيانا أخرى حينما يرهقني الألم أو يجفوني النوم، أكتب بقلم حبر ما زلت أحتفظ به للذكرى، قلم حبر وليس قلم رصاص لأتعلم أن محو الأخطاء لم يعد سهلا.
أكتب حينما يرهقني البكاء على أحباء غادرونا، وأنا مقتنعة بان الكتابة تشبه الدموع الهاربة من جبروت الحرمان، وتبقى هي صرختي التي فقدت صوتها وفقدت معها ابتسامتي، فهي أنا رغم ألم الحياة.
وفي أحايين أخرى، وعندما أريد الكتابة، أجد ان الحروف الأبجدية استنكرت وتمردت وعصيت، استعطفتها، اتوسل اليها، وتأبى أن تطاوعني، او ترضيني، فاستسلم لطاغوت العصيان وألملم دفتري وقلمي وحروفي المبعثرة هنا وهناك ومرات كثيرة ألقي قلمي نكاية في لعبة الكتابة حتى تلين أو تصالحني.
ويبقى الجميل في الكتابة أنها تلطف الإحساس والشعور، تكتب احاسيسك وشعورك التي غالبا ما تعبر عن ألمك وألام الآخرين، وتتحول هذه الكتابة الى ضرب من ضروب من المسكنات أو ابجديات العلاج النفسي، وهي كذلك هروب من نوبات الدهر والهلع في طبيعتنا الإنسانية، أحس وكأنها متنفس للروح ومفتاح للخروج من دوامة الصمت واعاصيره.
أحيانا تعصاني الكلمات ولا تنساب بسهولة، ومع ذلك أحاول أن أكتب وأكتب حتى وإن كانت مجرد خربشات، أكتب أي شيء وأرجع لاحقا لأحذف ما لا يعجبني لأني كتبت بقلم الرصاص، المهم أن أكتب وأعبر، فقد صدق الكاتب (لويس لامور) حين قال: « مهما يكن، ابدا بالكتابة فالمياه لا تتدفق حتى تفتح الصنبور «، وها انا بين الحين والآخر افتحه صنبور الكتابة عسى أن ارتوي، وأروي كل العطشى من أحبتي، وكلي أمل في أن تتقبلوني.