هل الذكاء الاصطناعي سيغير العالم غدا؟

هل الذكاء الاصطناعي سيغير العالم غدا؟
شارك

ذ. عبد العزيز شبراط.

عرفت شركات التكنولوجيا الأمريكية ارتباكا كبيرا، كما عرفت خسارة أكبر خصوصا الشركات المتخصصة في صنع الرقائق الالكترونية « Invidia » مثلا،   ففور إطلاق تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek وذلك مباشرة بعد 20 يناير 2025 ، وهو اليوم الذي تم فيه التنصيب الرسمي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وُلد ليانج وينفينج في عام 1985 في مدينة تشانجيانج (وهي مدينة من الدرجة الخامسة بحسب تنصيف Yicai.com) بمقاطعة قوانجدونج في أقصى جنوب الصين. ونشأ في عائلة ذات خلفية تعليمية، حيث كان والده مدرساً ثم مديرا لمدرسة ابتدائية، مما شكل مساره المستقبلي. وبعد إكمال تعليمه في جامعة تشجيانج، حصل على درجة البكالوريوس في هندسة المعلومات الإلكترونية في عام 2007. ثم حصل على درجة الماجستير في هندسة المعلومات والاتصالات في عام 2010. وركزت أطروحته للماجستير على « تحليل الخوازميات »، وفق موقع Businessinsider.

في عام 2015، شارك وينفنج في تأسيس High-Flyer، وهو صندوق تحوط كمي، إلى جانب زميلين له من جامعة تشجيانج. وفق موقعه على الإنترنت، تمكن الصندوق، الذي استخدم الرياضيات والذكاء الاصطناعي في استراتيجيات الاستثمار، من إدارة أكثر من 10 مليارات دولار من الأصول بحلول عام 2019.

بدأ انتقال وينفنج من التمويل إلى الذكاء الاصطناعي خلال فترة عمله في High-Flyer. في عام 2021، بدأ في شراء وحدات معالجة الرسوميات من شركة إنفيديا لبناء مجموعة ضخمة من 10 آلاف شريحة لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من وصفه من قبل زملائه بأنه « رجل غريب الأطوار للغاية ذو تسريحة شعر رهيبة »، إلا أن رؤية وينفنج الطموحة وضعت الأساس لما سيصبح DeepSeek..

وللعلم فإن الولايات الأمريكية كانت قد قررت في وقت مضى  بيع الصين الشرائح الاقل قوة (H800) من تلك التي تستعملها شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، وذلك حتى تبقى الصين أقل قوة من أمريكا في هذا المجال، لكن الذي حدث هو عكس ما كانت تفكر فيه أمريكا، إذ استطاع هذا الشاب الأربعيني جعل تلك الشرائح تتغلب على الشركات العملاقة في الذكاء الاصطناعي الأمريكية مثل OPEN AI  و META و GOOGLE …

نشير أيضا أنه في اليومين المواليين لإطلاق تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek ، انقلب العالم رأساً على عقب، إذ خسرت أسهم التكنولوجيا الأميركية تريليون دولار، ولم تعد الولايات المتحدة الوصي الوحيد للذكاء الاصطناعي، كل هذا بسبب مختبر أبحاث صغير للذكاء الاصطناعي في الصين، هزّ وادي السيليكون وواشنطن، مما حوّل مؤسّسه الصيني إلى « بطل قومي » تحدّى محاولات الولايات المتحدة لوقف طموحات بكين التكنولوجية الفائقة.

اكتسبت DeepSeek اهتماماً سريعاً مع إصدار نموذجها V3 في أواخر عام 2024. وفي ورقة بحثية نُشرت في ديسمبر، كشفت الشركة أنها دربت النموذج باستخدام 2000 شريحة Nvidia H800 بتكلفة تقل عن 6 ملايين دولار، وهو جزء بسيط مما ينفقه منافسوها عادة، وفق « فاينانشيال تايمز ».

 ف OPEN AI تقدر تكلفة CHATGPT مثلا بمئات الملايين من الدولارات وتستعمل ما يفوق 12000 شريحة Nvidia  اكثر تطورا وقوة من شريحة Nvidia  H800 التي تباع للصين.

وما يميز التطبيق الذكي كونه مجاني ويقدم نماذج ذكاء اصطناعي تضاهي تلك التي تقدمها المنصات الأميركية العملاقة مثل OpenAI وMeta، والتي تُكلف المستخدمين اشتراكات شهرية تصل إلى 200 دولار.

وقال وينفنج في مقابلة مع وسائل إعلام محلية نشرت في عام 2024 إن « مبدأنا الرئيسي في DeepSeek ليس البيع بخسارة، ولا السعي لتحقيق أرباح مفرطة ». وأضاف أن الشركة « لن تتجه إلى المصدر المغلق »، مضيفاً: « نعتقد أن إنشاء نظام بيئي قوي للتكنولوجيا هو أكثر أهمية ».

ولاحظ الجميع فعلا أن DeepSeek أحدث ضجة كبيرة في مجتمع الذكاء الاصطناعي بإطلاقه نموذج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر R1، والذي تقول الشركة إنه ينافس نموذج o1 الخاص بشركة OpenAI في الأداء « عبر مهام الرياضيات والترميز والمنطق »، مع استخدام جزء بسيط من قوة الحوسبة.

يعتبر ليانج وينفينج أن صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين كانت تحاول اللحاق بالولايات المتحدة، ويريد من DeepSeek تغيير ذلك. وتابع قائلاً: « نعتقد أن الذكاء الاصطناعي في الصين لا يمكن أن يظل تابعاً إلى الأبد. غالباً ما نقول إن هناك فجوة لمدة عام أو عامين بين الذكاء الاصطناعي الصيني والأميركي، لكن الفجوة الحقيقية هي بين الأصالة والتقليد ». وأضاف: « إذا لم يتغير هذا، فستظل الصين تابعة دائماً ».

وحسب موقع LinkedIn فآن ملف تعريف شركة DeepSeek لديها فريق مكون من أقل من 10 أشخاص. وقد، تم استقطاب أحد الأعضاء من شركة شاومي للعمل في تطوير الذكاء الاصطناعي في ديسمبر 2024، ويصر ليانج وينفينج بشدة أن يكون كل موظفي الشركة صينيون.

ما جعل هذا الشاب يبدع وينتج تطبيق ذكاء اصطناعي أقوى من التطبيقات الأمريكية رغم ضخامة شركاتها في هذا المجال هو اختلافه في طريقة تفكيره مقابل كيفية تفكير الشركات الأمريكية:

طريقة اختيار موظفي الشركة. سئل ليانج وينفينج ؛ لماذا لم تعتمد على الخبراء في هذا المجال واكتفيت فقط بالصينيين حديثي التخرج؟ فأجاب جوابا بسيطا ولكنه في حقيقة الأمر هو أكثر عمقا  » إذا وظفت الخبراء فكلما اقترحت عليه نموذج للحوسبة سيجيبك فورا بما يعرفه وجربه سابقا وبالتالي فهو لن يطور الفكرة، بل سيكرر تجارب سابقة وهذا الأمر لن يضيف جديدا للإبتكار والإبداع، أما الخريجون الجدد سيبحثون فيما اقترحته عليهم وسيجتهدون أكثر ليبهرونك وأيضا ليتميزوا عن سابقيهم ومن أجل هذا بحثت عن الخريجين الجدد ومكنتهم من أحر مرتفع لن يتقاضونه في مؤسسة أخرى سواء داخل الصين أو خارجها.

كل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تنتجها التكنولوجيا الأمريكية تعتمد على نفس الفكرة وتعمل وفق نفس النظام، قال ليانج وينفينج :  » نحن فكرنا بطريقة أخرى مغايرة، فكرنا  » خارج الصندوق » هم اعتمدوا على نظام واحد وهذا يتطلب بيانات ضخمة وشرائح كثيرة وخوادم ضخمة وبالتالي استثمارات كبيرة، أما نحن فقد اعتمدنا العمل بأنظمة متعددة وهو ما جعلنا نقتصد كثيرا في كل شيء.  ومن جانبنا من أجل القارئ العادي فهم هذا التفسير سنأخذ مثالا بسيطا: إذا اعتبرنا أن التطبيق هو مكتبة ضخمة تحتوي على العديد من الكتب من مختلف المجالات ووضعنا لتسييرها شخص واحد، فهذا  سيتطلب من هذ الموظف أن يكون ملما بكل الكتب الموجودة بالمكتبة بتعدد مجالاتها، وحينما يأتي شخص يبحث عن كتاب في مجال معين سيرشده إليه، هذا هو الاشتغال نظام واحد وهو هندسة الذكاء الاصطناعي الآمريكي، بينما ليانج وينفينج اعتمد عدة أنظمة وهو ما يعني آن تلك المكتبة سيسيرها مجموعة من الموظفين وكل موظف سيتكلف بمجال معين ( الرياضيات الفيزياء علوم الفضاء…) نتج عن هذه الطريقة تخفيض في عدد الشرائح  واقتصاد في الكهرباء و الوقت . وهكذا فمن ناحية تقنية، كشفت الشركة الصينية DeepSeek والتي تحمل نفس اسم التطبيق، عن أساليب تدريب جديدة لنماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وخاصة النموذج « R1″، الذي يُعد منافساً مباشراً للنموذج « O1 » المطور من شركة OpenAI. تعتمد هذه الأساليب على تقنيات لا تحتاج إلى قوة معالجة حاسوبية ضخمة، مما ساهم في تقليل تكلفة تدريب النماذج إلى حوالي 5.6 مليون دولار، وهو ما يمثل نسبة 3% فقط من التكلفة التي تتحملها OpenAI، والتي تنفق مئات الملايين من الدولارات لتطوير نماذجها الذكية. وتقنيا يمكن تلخيص ذلك كما يلي: يتألف نموذج «ديب سيك V3» التقني من نماذج متعددة صغيرة تتشارك العمل فيما بينها أثناء التدريب والرد على الأسئلة. تُعرف هذه الفكرة خوارزميًا بـ«مجموع الخبراء» (mixture of experts)، حيث يمكن اعتبار كل نموذج صغيرٍ خبيرًا في مهمّة معينة يتركز عمله عليها، فيختص «خبيرٌ» بالتعامل مع الأفعال مثلًا، بينما يركز آخر على علامات التوقف والاستفهام، ليتعامل ثالثٌ مع الأرقام أو التاريخ. فيما يعمل جزء آخر من النموذج؛ يسمى بالمحوّل (router)، على تسيير الأجزاء المختلفة من الجمل للـ«خبير» المختص، ويتم التنسيق بين ردودها لتشكيل الرد النهائي الأكثر ترجيحًا من حيث الدقة، وذلك بعد تقدير النموذج للأنماط اللغوية وتوزيع الانتباه على العلاقة بين الكلمات خلال التدريب. تُدرب هذه النماذج الضخمة على مدى أسابيع أو أشهر، وعبر تحليل أعداد هائلة من النصوص يتم جمعها من شبكة المواقع والمكتبات الإلكترونية. ويسعى النموذج -بعد انتهاء التدريب- لتوقّع الكلمات بالتوالي خلال تحضيره للرد، لتدريب «ديب سيك V3» مثلًا احتاج الفريق لبيانات تضم حوالي 15 تريليون كلمة، وصمّم النموذج ليحاول توقّع كلمات متعددة عند كل خطوة (multi-token prediction) بدل توقعها بشكل فردي بهدف تسريع التدريب وتحسين الأداء معًا. لم تكن تلك الخطوات الخوارزمية وحدها خلف الأرقام الملفتة لأداء وتكلفة «ديب سيك V3». فنظرًا للقدرة التقنية المحدودة نسبيًا في الشرائح المتوفرة لدى «ديب سيك» اتجه الفريق المصمم لتخزينٍ منخفض الدقة للبيانات خلال إجراء معظم العمليات الحسابية أثناء التدريب، وهو ما أتاح وفرًا كبيرًا في الوقت المطلوب لانتهاء التدريب وفي مساحة الذاكرة الإلكترونية التي يتطلبها تحليل البيانات، دون تأثير واضح على النتائج. ولاستغلال الموارد المتاحة بطريقة أفضل، اختار الفريق تدريب النموذج على استعمال مجموعات متعددة من مجمل عوامله المتغيّرة، تشكل كل مجموعة منها حوالي 5% فقط من مجمل العوامل (بواقع 37 مليار من أصل 671 مليار)، للعمل على توقع الكلمات سواء خلال التدريب أو الرد لاحقاً على الأسئلة.

القيود تفرض الابتكار: سبق وأشرنا أن العقوبات الأميركية تحضر تصدير رقائق إنفيديا Nvidia الرائدة إلى الشركات الصينية، وتسمح فقط ببيع رقائق أقل من حيث الإمكانيات بفارق واضح في الأداء، ومع ذلك، عملت DeepSeek على سد هذه الفجوة عبر تقنيات جديدة كما سبق وأشرنا تقلل من استهلاك الطاقة، وتعزز كفاءة العمليات الحسابية. وهكذا فالعقوبات الأميركية لم تُضعف الشركة، بل عكس ذلك دفعتها للابتكار، إذ أشار مؤسس DeepSeek، ليانج وينفنج، في مقابلة مع وسائل إعلام صينية إلى أن الشركات في بكين غالباً ما تواجه فجوات في الكفاءة مقارنةً بنظيراتها الغربية؛ فالصينيون يستهلكون ضعف الموارد لتحقيق نفس النتائج بسبب فجوات في تقنيات الهندسة وكفاءة البيانات. وأضاف «لقد حولنا قيود الموارد إلى فرص للابتكار، وفريقنا يعشق تحدي العقبات وتحويلها إلى نجاحات ملموسة ». ومن الواضح أن نهج الصين في مواجهة العقوبات الأميركية يتمثل في التركيز على الابتكار والكفاءة، ونجاح DeepSeek يعكس كيف يمكن للشركات الصغيرة أن تنافس الشركات العملاقة من خلال استراتيجيات مدروسة واستغلال ذكي للموارد.

الطموح والشغف. يعتقد مؤسس DeepSeek أن الذكاء الاصطناعي سيصبح أكثر تكاملًا مع حياتنا اليومية، وسنرى نماذج أكثر تطورًا يمكنها فهم العالم بشكل أعمق. وأشار إلى أن الدافع الأكبر الذي يجعله وأصدقائه يستمرون في هذا المسار هو الطموح والشغف، فكل شخص في فريقهم لديه فضول لا حدود له لمعرفة ما يمكن أن يصل إليه الذكاء الاصطناعي. وأضاف: « نحن لا نفعل ذلك فقط من أجل المنافسة أو الربح، بل لأننا نؤمن بأننا نعمل على شيء يمكن أن يغير العالم ».

 التفكير البشري قد يكون اللغة. يؤكد مؤسس DeepSeek أن جوهر الذكاء البشري قد يكون اللغة، وأن التفكير البشري قد يكون عملية لغوية، فأنت تعتقد أنك تفكر، لكنك في الواقع تنسج اللغة في رأسك، وهذا يعني أن الذكاء العام البشري قد يولد من النماذج اللغوية الكبيرة.

القدرة قبل الخبرة. لا يعتمد مؤسس DeepSeek على الخبرة في التوظيفات، بل يعتبر أن القدرة أهم من الخبرة، فهو يرى أن الشخص الذي ليس لديه خبرة وإذا ما كلفته بأمر ما سيحاول مرارًا وتكرارًا معرفة كيفية القيام به، وفي النهاية سيجد حلاً يتناسب مع الوضع الحالي، صاحب الخبرة سيعطيك الحل دون محاولة البحث عن حلول أخرى أكثر جودة وأقل تكلفة، وقال إن فريقهم الأساسي، وحتى هو شخصيًا، بدأ بدون أي خبرة في المجال الكمي، وهذا شيء فريد، لا يستطيع أن يقول إنه سر النجاح، لكنه جزء من ثقافة شركته الأولى High-Flyer والتي على هامشها أنشأ DeepSeek . وقال إنه بعد اختيار الشخص المناسب، يعطه مهام مهمة ولا يتدخل، يدعه يكتشف الأمور بنفسه ويلعب بطريقته الخاصة. يرى مؤسس DeepSeek أن الابتكار يتطلب أقل تدخل وإدارة ممكنة، بحيث يكون لدى الجميع حرية اللعب وفرصة للتجربة والخطأ، الابتكار غالبًا ما يكون ناتجًا ذاتيًا، وليس موجهًا أو مدروسا. إن العقل البشري قوة خارقة لا مثيل لها في هذا الكون شريطة أن تكون الأهداف واضحة وأصيلة، وما ينتج الإبداع   هو التفكير بطرق جديدة عوض تطوير أفكار من سبقونا. وللتذكير فإن هذه الطريقة سبق واعتمدها Steve jobs_ مؤسس شركة أبل بعد عودته الى الشركة بعد طوده منها، فأول ما قام به قبل بدء مزاولته عمله، توجه إلى مهندسي الشركة وسألهم هل تقتنعون بهذه النماذج التي أمامكم؟ لم يجبه أحد، فأمره بتدمير كل النماذج الموجودة وقال لهم خذوا حريتكم ووقتكم الكافي وانجزوا ما تؤمنون به فعلا. وهذا ما جعل الشركة حينها تخرج من أزمتها وتغير رؤية العالم بشأن الحواسب الشخصية والهواتف الذكية.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *