معرض الكتاب.. ندوة تناقش مستقبل التكنولوجيا الحديثة في المجال القضائي برواق المجلس الأعلى للسلطة القضائية

يواصل المجلس الأعلى للسلطة القضائية برنامجه التواصلي بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي ينظم بالرباط تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بتنظيم ندوة علمية حول « استثمار التكنولوجيا الحديثة في المجال القضائي: الفرص والتحديات »، يومه الإثنين 21 أبريل 2025.
الأنظمة القضائية والتحول الرقمي
وفي كلمة افتتاحية حول الموضوع قال السيد أحمد الغزلي، عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إن الأنظمة القضائية تراهن على استعمال التكنولوجيا الحديثة (التحول الرقمي)، للرفع من النجاعة القضائية وتقوية النزاهة والشفافية، وتسهيل الولوج إلى العدالة لما تتيحه التكنولوجيا الحديثة من فرص وإمكانات للقضاة وباقي المتدخلين في منظومة العدالة، لإنتاج عدالة فعالة، فضلا عما تتيحه للمتقاضين من خدمات عن بعد، ومن توفير للمعلومة القضائية والقانونية.
وأكد السيد الغزلي أن المعايير الحديثة المعتمدة في تقييم نجاعة العدالة ترتكز على مدى توظيف الأنظمة القضائية للتكنولوجيا الحديثة في الإجراءات والمساطر وتدبير الإدارة القضائية، وهو ما دفع المغرب، يضيف المتحدث، إلى القيام بمجهودات لتنزيل التحول الرقمي لمنظومة العدالة، من خلال إطلاق العديد من المنصات والخدمات الإلكترونية وعلى رأسها البوابة الإلكترونية للمحاكم، والتي تتيح للعموم متابعة القضايا والإجراءات القضائية عن بعد، إضافة إلى النظام الإلكتروني لتدبير الملفات القضائية، وبوابة نشر الاجتهاد القضائي.
وفي نفس السياق، أكد السيد يوسف أستوح، رئيس قطب التحديث والنظم المعلوماتية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن المنظومة القضائية أصبحت من أبرز القطاعات التي تسعى إلى استثمار التحولات التكنولوجية من أجل تحسين أدائها، وذلك عبر إدماج أدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات الحوكمة الرقمية في مختلف برامجها وأوراشها، مضيفا أن التطور التكنولوجي لم يعد مجرد أداة دعم تقني، بل تحول إلى رافعة حقيقية لتحقيق العدالة الرقمية، بما يستلزمه من شفافية، وسرعة ومساواة في الولوج إلى القضاء، وخلق بيئة قانونية تحترم حقوق المتقاضين، وتستجيب لحاجياتهم المتزايدة.
رهانات التحول الرقمي
وبعد استعراضه مختلف مراحل الاستراتيجيات والمخططات الرقمية بالمغرب، أكد السيد يوسف أستوح أن استراتيجية التحول الرقمي بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ترتكز على رهان تكريس تنمية رقمية شاملة ومندمجة، وتشمل ثلاثة مستويات أساسية، تتمثل في اعتماد نظام رقمي مندمج على مستوى المجلس، ويرتكز على مستوى المحاكم على تتبع مشاريع بلوغ المحاكمة الرقمية وإرساء مقومات التقاضي الإلكتروني بمختلف محاكم المملكة، عبر تنزيل « استراتيجية الانتقال الرقمي بالمحاكم »، بتنسيق مع رئاسة النيابة العامة والوزارة المكلفة بالعدل.
وأضاف السيد أستوح أن المرتكز الثالث في استراتيجية المجلس يرمي إلى استغلال الرقمنة لتقريب العدالة من المرتفق، تجسيدا لمبدأ « القضاء في خدمة المواطن »، ودمقرطة الولوج إلى الخدمات الرقمية لفائدة المرتفقين.
من جانبه استعرض السيد طارق بوخيمة، القاضي الملحق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إيجابيات التحول الرقمي، وما يوفره من بيانات تساعد على اتخاذ القرارات الصائبة، وتعزز الشفافية، وتمكن من الاستفادة من البيانات قصد استغلالها في تقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلا عن دورها في تشجيع الإبداع في العمل.
واستعرض السيد بوخيمة آفاق تطوير عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، استنادا إلى التقنيات الرقمية، وتحديدا تقنيات الذكاء الاصطناعي، على مستوى الارتقاء بمجال العدالة، سواء في تجويد الأحكام أو تقليص آجال البت في القضايا، أو توفير إحصائيات دقيقة تهم مختلف الملفات، فضلا عن دوره في تحقيق الأمن القضائي.
القضاء…والذكاء الاصطناعي
وفي مداخة بعنوان « تحديات الإثبات في زمن الرقمنة والذكاء الاصطناعي » أكد السيد عبد الكريم الشافعي، الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة، أن تطور الجرائم وتطور وتعقيد أساليب ارتكابها، قد فرض على الأنظمة القانونية البحث عن طرق مبتكرة لتحسين دقة الإثبات الجنائي وتسريع عملية التحقيقات، وفي هذا السياق، يضيف المتحدث، يظهر الذكاء الاصطناعي كعنصر محوري يمكن أن يساهم بشكل كبير في تطوير أدوات الإثبات وتحقيق العدالة، من خلال إدخال تقنيات حديثة، تتيح فحص الأدلة وتحليلها بدقة تفوق قدرة الإنسان، مما يساعد في الكشف عن الحقيقة وتحقيق العدالة الجنائية بشكل أكثر فاعلية وموضوعية.
واستعرض السيد الشافعي آليات الذكاء الاصطناعي في الاثبات الجنائي، من خلال جملة من التقنيات، كدور بصمة الدماغ في الإثبات الجنائي، ودور الذكاء الاصطناعي في سماع الشهود معاقي السمع والنطق، مؤكدا أن توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الإثبات الجنائي يُشكل تحولًا نوعيًا في منظومة العدالة، إذ لم تعد الحقيقة الجنائية تُستمد فقط من الوسائل التقليدية، بل أضحت اليوم تستند أيضًا إلى أدوات علمية دقيقة تعزز من موضوعية الإثبات ونجاعته، وتُعد تقنية بصمة المخ نموذجًا لهذا التوجه، حيث تُمكّن من استقراء ردود الفعل العصبية للدماغ باعتبارها معطيات يصعب التلاعب بها، مما يُضفي على الدليل طابعًا علميًا فريدًا يُقوّي من قناعة القاضي.
وأبرز السيد عبد الكريم الشافعي أن إدماج الذكاء الاصطناعي في تسهيل التواصل مع الشهود أو المجني عليهم من ذوي الإعاقة السمعية أو النطقية يُمثل قفزة نوعية نحو تحقيق عدالة شاملة ومنصفة، تضمن لكل فرد، بغض النظر عن إعاقته، حقه في التعبير والمشاركة الفعالة في الإجراءات الجنائية. ومع استمرار التطور التقني، من المتوقع أن تشهد العدالة الجنائية مزيدًا من التقدم نحو ضمان الشفافية، والفعالية، والمساواة في الوصول إلى الحقوق، مما يعكس التزام المنظومة القضائية بقيم حقوق الإنسان والعدالة الرقمية الحديثة.
ووفي نفس السياق انطلق السيد عبد الرحمان الشرقاوي، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، من التفريق بين الرقمنة والذكاء الاصطناعي، والذكاء التوليدي، للتأكيد على أن الأنظمة القضائية ستجد نفسها مطالبة بمواكبة التحولات الرقمية، وإيجاد الحلول الملائمة للإشكاليات المستجدة التي تطرحها.
وقال السيد الشرقاوي إن الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يعمل على محاكاة الآلة للذكاء البشري في مختلف الوظائف والسلوكات، يهدف إلى إنشاء محتوى جديد، يستند على الفكر الاستباقي، انطلاقا من تحليل أو استخدام البيانات الموجودة، وهو ما يطرح تحديات مستقبلية، ويتيح في ذات الوقت الكثير من الفرص.