هل تمثل مجموعة الدول الصاعدة بديلا للعولمة الفجة؟
علال بنور.
العنوان هو سؤال مقال للمفكر سمير امين نشر بموقع الحوار المتمدن بتاريخ 02/11/2014 ، فنظرا لأهمية هذه الدراسة و جديتها والمكانة الفكرية للأستاذ سمير أمين ، و تعميما للفائدة سأحاول قدر الإمكان أن لا أتعامل مع هذا النص بالطريقة البروكسيتية ، بقدر ما سأحافظ على روح النص تطبيقا للأمانة العلمية .
ما ذا نعنى « بالصعود »؟ هو مجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، لا يقاس الصعود بالمعدل المتزايد لنمو الناتج الإجمالي أو الصادرات أو هما معا، بل ينطوي الصعود على ما هو أكثر من تحولات، فهو الجمع بين عملية التصنيع وإنجاز السيادة الغذائية، ثم يقتضي مشروع الصعود تطوير القدرة التنافسية للأنشطة الإنتاجية في الاقتصاد كمنظومة.
إن مفهوم المنظومة الإنتاجية، يقتضي أن ترتبط المنشآت الصناعية بعضها ببعض في شبكة من التبادلات البيئية لكي تخلق نسيجا اقتصاديا متماسكا، فيصبح نمو أحد أطرافها مصدرا لنمو للأطراف الأخرى. أما الجانب الثاني من المنظومة الإنتاجية الوطنية فهو يخص إنعاش الإنتاج الفلاحي، ولكي تتحقق السيادة الغذائية يجب خلق فلاحة توفر الغذاء الأساسي، الشيء الذي يؤدى إلى إنعاش البوادي.
أما مفهوم التنافسية، فإنه يأتي بعد تحديد مشروع بناء المنظومة الإنتاجية ولا يأتي قبله، يجب النظر إلى القدرة التنافسية كمنظومة في مجملها وليس وحدة إنتاج معينة، فهي مرتبطة بوجود منظومة إنتاج متماسكة، تعتمد القدرة التنافسية على عوامل اقتصادية واجتماعية متعددة، منها المستوى التعليمي والكفاءات العمالية وقانون الشغل والائتمان والخدمات الاجتماعية.
لا يمكن لدولة أن تصبح صاعدة، ما لم تتطلع إلى الداخل بهدف إيجاد سوق وطنية، وسيادة وطنية على مكونات الاقتصاد من المواد الطبيعية إلى المواد الفلاحية.
إن الروابط بين الجوانب السياسية للصعود والتحولات الاجتماعية، لا تتوقف فقط على التماسك الداخلي للسياسة الاقتصادية، وإنما تتوقف على درجة تكاملها أو تناقضها. إن الصعود ليس مشروعا اقتصاديا محضا، وإنما هو مشروع سياسي كلى، وبالتالي فإن طموحات الدول الصاعدة تدخل في صراع مع الأهداف الاستراتيجية للثالوث الدولي، وستحدد درجة العنف المنبثق من هذا الصراع حسب مستوى راديكالية تحدى الدول الصاعدة. هل هي منحازة إلى الائتلاف العسكري والسياسي للثالوث؟ هل تقبل باستراتيجيات ينفذها « الناتو » أم تعترض عليها؟
للصعود بعدا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، لأنه يخص صعود وطن ومشروع حضاري ينظر إلى المستقبل، ولا يسقط في تصورات ماضوية وهمية. لا يمكن تحقيق صعود دون وجود سياسة ثابتة للدولة، تستند إلى كثلة وطنية /اجتماعية مريحة، تمنح المشروعية والقدرة على بناء مشروع متماسك، يتطلع الى توحيد منظومة الإنتاج الوطني نحو الداخل، كما يتضمن مشروع الصعود مشاركة كل طبقات المجتمع ومكوناته، عكس التطور الذي تفرضه التنمية الرثة. ومن بين تجارب الصعود، هناك حالات تستحق اهتماما خاصا، بسبب عدم ارتباطها بعملية التنمية الرثة، ففيها لم يقع إفقار للطبقات الشعبية، وإنما حدت تقدم في مستويات المعيشة ومن بين هذه الحالات: كوريا وا لتايوان، لكن هناك حالات صعود أخرى، ارتبطت بالتنمية الرثة على نطاق أوسع، وهي حالة الهند، فهي تعيش نظاما هجينا يجمع بين الصعود والتنمية الرثة. ثم هناك حالات أخرى تنتمي إلى ذلك الهجين مثل: البرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا وماليزيا وتايلاند والمكسيك.