حفريات في باطولوجيات السياسة

حفريات في باطولوجيات السياسة
شارك

سعيد ألعنزي تاشفين

    لكي تكون سياسيا عليك ، لزوما ، أن تكون دارسا جيدا للفكر السياسي و لتاريخ علم الاجتماع السياسي، وأن تمتح من أمهات النظريات السياسية المعروفة كونيا منذ ولادة الديموقراطية بأثينا ردحا من الزمن قبل ميلاد اليسوع . فالسياسة علم نبيل مرتبط بعقلنة تدبير شؤون المدينة ( البوليس ) وبناء مخرجات عقلانية لكل تناقضات الأرض بما ييسر حلحلة مفارقات الوجود؛ هذه المرة بعيدا عن شرعية السماء بفهم تيوقراطي مقدس نحو إقرار حجة الأرض أفقيا في تدبير مفارقتها على قاعدة اللغوس. و لذلك، وجب على كل سياسي أن يكون متمكنا من مجريات الفكر السياسي ، عبر محطات تاريخية متعددة، و من خلال الاطلاع على فحول الفكر السياسي المعترف لهم دوليا بالتمكن النظري قبل امتلاك الجرأة في الدفع قدما نحو المشاركة في بلوغ سلطة التدبير على لبنات الديموقراطية التمثيلية. فسابقا كان السياسي رجلا يعيش منزويا وكئيبا بمكتبته وسط دخان السجائر الرخيصة تحت وقع السؤال و لا يأتيه النوم لعلة أرق تتركه أمهات الكتب بوقع كبير عليه، فتجده يقرأ اللاهوت السياسي التحرري بأمريكا اللاثنية و بآسيا و بالبلقان و بإفريقيا مع رجالات من طينة ارنيستو تشي كيفارا والمهاتما غاندي و نِهرو وماو تسي تونغ وجون بروز تيتو وباتريس لومومبا . و الأمر مفهوم و له مصوغات لأن السياسي يفكر مليّا في ما يستعصي على العامة فهمه؛ فتجده يسهر الليل باحثا عن أجوبة شافية للأسئلة الحارقة في سياقات اليومي المثخن بالمتناقضات و يحاول ترميم ما يلحق القطيع من تمثلات شعبوية و هو غير راض عن الجهل الذي استئسد على مدننا و الذي يحاصر قرانا رغم بريق نخب الحداثة البرانية المغشوشة. كيف لا،  والنقاش كان محتدما حول  » نمط الإنتاج  » و من يحتكر وسائل الإنتاج في كنف علاقات التبعية؛ حتى إن تصنيف  » العاهرة  » تطبيقا، على شرط نمط الإنتاج من خلال علاقاته المبنية على الاستغلال، كان يؤثث مداخلات صاخبة في مقاهي البؤس الاقتصادي والرجة الفكرية الساخنة إلى جانب قراءات شعر المغضوب عليهم من طينة لافتات أحمر مطر و صراخات أمل دنقل والمجد للشيطان معبود الرياح من قال لا، فظل روحا أبدية للعدم. و يكفي أن رجال و نساء السياسة، كانوا يطالعون مقالات عميقة بالمجلات الحمراء، و يقتنون ما جدّ من مثن نظري على عجل، حتى أنه لا يجوز أن يكون السياسي دون مكتبة تختزن الكتب الفياضة بالشغب الجميل مما خلفه العقل النقدي في مختلف بؤر التوتر الفكري بالعالم على امتداد كل مساحات الثقافة العالمة من رواية و شعر ومسرح . و ماذا تكون السياسة سوى ذلك الانخراط المبدئي من لدن مثقفين نزهاء لا يلجؤون إلى  » الماكياج السياسي  » للضحك على الذهنية الجمعية ولتسخير الغباء الجمعي للتموقع في قالب الانتهازية المطلوبة باسم شعارات زائفة بحثا عن  » لهمزة  » و  » دهن السير إ سير  » . و من مخلفات الثورة البلشفية و تكتيكات فلاديمير إيليتش أوليانوف ، إلى خلفيات بناء الاتحاد اليوغوسلافي مع جون بروز تيتو ، نحو سؤال ما بعد الحداثة على ضوء النقد العلمي للموروث الفكري الذي راح ضحية للتأويلات النكوصية للنقل أو الهروب الماجن نحو تمثل شروط الحداثة كتجلي لهيمنة البورجوازية الإصلاحية؛ لدرجة أن فكر مدرسة فرانكفورت و عدمية نيتشه في مستوياتها الثلاثة ، نحو إخوان الصفا و ابن رشد و البيروني و التوحيدي و المعري إبان الزمن الوسيط، و غيرهم من فحول الفكر المعاصر من طينة حسن حنفي و محمود إسماعيل و الطيب تيزيني و ماكسيم رودنسون و العفيف الأخضر و هشام جعيظ و العروي  .. كانت المرجعيات النظرية تقعد لكل التدخلات قبل أن يحط السياسي المثقف والمثقف السياسي رحاله على باحة التفكير السياسي العملي العميق عند رجالات الفكر السياسي ورجالات السياسة العالمة من طراز الذين توقفوا مسائلين التراث والحداثة بأدوات التحليل العلمي المتوافر على كل شروط المطارحة العلمية المحترفة نظريا وعمليا لاستنهاض همة الجمهور والعامة . فكيف لا والسياسي يقرأ مجلات وجرائد صاخبة مثل روز اليوسف و الفيكارو و لونوند دبلوماتيك، و يطالع كتابات المنظرين الكبار قبل تقديم ورقة بمقهى بئيس من العفيف الأخضر، مترجم البيان الشيوعي،  إلى حسن حنفي و سؤال النهضة، نحو محمد أركون و سؤال التنوير والأنسنة في ثنايا الإسلاميات التطبيقية، إلى كُتاب الغرب الرأسمالي؛ حيث تنظيرات صامويل هنتنغتون و فرنسيس فوكوياما و برنارد لويس، في اتجاه ما جادت به قريحة الأنثروبولوجيا السياسية و سوسيولوجيا التنظيمات و علم النفس الاجتماعي وسيكولوجيا الجماهير وغوستاف لوبون كان بارعا جدا في متنه الدقيق الذي يتحدى الزمن و بنياته الجامدة / المتحركة عندما أكد على ميكانيزمات الميكرو – سوسيولوجيا و صناعة وهم البطولة الرعناء لدى العامة و القطيع، ومع كل ذلك، كان السياسي مفكرا عميقا يحتسي عدة كؤوس من القهوة، وسحناته تثير الرعب عبر كاريزما رائعة، ينضاف إليها الهندام الثوري المثير لفضول الكادحين بما بجعل المتلقي ( المواطن العادي ) ينبطح فكريا أمام جسامة الوعي السياسي القائم على إرث فلسفي وفكري يمتد من جمهورية أفلاطون الفاضلة و مدينة الفارابي ذات نزعة الفيض، و تفاصيل نظرية الفيض، هذه بحث مُضمر عن العدالة المفقودة في مدينة الريع الواقعية  و اللاشعور لدى المثقف السياسي مثخن بالأمل في تحقيق مدينة فاضلة على قاعدة التوزيع العادل للثروة لصالح عموم الجماهير والكادحين تحت سلطة المثقف الحالم بيوتوبيا العدالة و المساواة محاكاةٍ للنظريات الرومانسية في صناعة التاريخ.

 إن السياسي ، بالمحددات المطلوبة؛ مفكر عميق و ثائر باستمرار على مختلف تمظهرات التفاهة وثورته ثابتة ومتواترة ضد الرداءة، باحثا عن الأفضل من مدخل النقد الواعي للابتذال؛ نقدا مركبا لا يتحمل الشعبوية التي تريح هواجس الغوغاء وتحقق التماهي مع ماكينة التمويه الديماغوجي لصالح التدجين. ولذلك كان السياسي عاشقا نبيها و دقيقا في مسعاه إلى تجويد سياقات التفكير الجمعي من خلال خلخلة المسلمات و تفكيك عُقد اللامفكر فيه بجرأة علمية مضبوطة ودون السقوط في مستنقع التمييع و الإباحية الفكرية. ومع حصول الردة،  أضحى التفكير السياسي، على نقيض ما سلف من محددات المعالم، وشعبويا لدرجة يتهاوى إلى مدارك التفاهة المتعددة الأوجه، حتى أن الخطاب السياسي أصبح خطابا مبنيا على الجهل المركب في سوق السياسية يتحكم فيها أصحاب العقيدة السياسية مع أصحاب الإدارة السياسية مع أصحاب المال السياسي على لبنات تسخير القطيع لخوض حروب الكر و الفر تحت وصاية نخب الشكلانية الفارغة و الماكياج اللفظي المنمق بشعارات تسيل لعاب الغوغاء والدهماء من مريدي إعلام لالة لعروسة و رشيد التفاهة و كول لهريسة و إيكو و التسنطيحة !! و حتى أضحى التجهيل علما له كل المقومات . فالسياسي، بهذا  » البروفايل  » يسوِّق لخطاباته بأساليب تافهة و منحطة تؤسس للتفوق على أنقاض الخصوم وفق حروب الوكالة التي تستغل كل العيوب و لا ترحم حتى الأموات بحثا عن خلق الفرجة و صناعة البهرجة، و دون خلفية فكرية مؤسّسة، اللهم ما يضبطه من  » علم الكرش  » و بناء الاصطفاف على أسس العرقية والقبلية والعشائرية والمجالية والتبعية الباطرياركية و الانتهازية الماجنة؛ حيث يكفي إعداد وليمة لاستضافة جموع الجياع فكريا حتى يتحقق الترويض من مدخل بيداغوجيا المعدة والمعي الغليظ، فكر هجين وأمعاء فارغة هي كل ما بقي من السياسة والإيديولوجيا حتى يحصل السياسي على  » مشروعية جماهيرية  » و على هتافات القطيع المصاب بالأنيميا الفكرية، والجمهور هنا ليس سوى كتلة ناخبة تتحكم في تنميط الدوائر الانتخابية لذوي الجهل المركب من المستثمرين في السياسة جهلا متخصصا وبحثا مستمرا عن فرص العمر لتسويق الوهم على أشلاء العقل الجمعي المروض بأسلحة التجهيل و التدجين التي ساهمت فيها قنوات الإستبلاد الممأسس من لدن مخططات التخريب لتكريس الغيبوبة الفكرية لدى عموم  » بوزبال  » من صنف كتلة الجمهور المعدلة جينيا لقبول التماهي بين الضحية والجلاد وفق قانون العرض والطلب بسوق السياسة، بل والدفاع عنها بتماهي بسيكو – باطولوجي بين الضحية ( مواطن مهمش ومخصي فكريا ) والجلاد ( سياسي انتهازي جاهل فكريا ومنحط قيميا وصعلوك ايديولوجيا )، وباستماتة ويقين ارثوذوكسيين بما يُرضخ الإرادة الشعبية المخصية لسياقات التدجين من مدخل الجهل نور و العلم عا .

     كيف لا والساسة بهذه السوق الشعبوية الرعناء أصبحوا  » علماء  » الأنطولوجيا؛ حتى إن القبيلة والجهل المقدس باسم الدم و الجد الوهمي و التضامن العضوي ثم الآلي،  باسم كل الانتماءات التقليدانية، يشرعن توطيد سياسة الجهل مقدسا و مؤسسا ثم مركبا فيما بعد . و لذلك نجد السياسي يعزف بمهارة على أوثار القبلية و العشائرية و البحث المضنى على الجد الوهمي تدغدغ عواطف القطيع وعن بطولات السلف الصالح خلال الزمن الأول الذي يتشكل سيكولوجيا كآلية سيكولوجية تعويضية عن إخفاقات الحاضر بالنفخ الديماغوجي في بطولات الأمس والقفز الانتقائي على مثالب السلف الصالح؛ حتى إن الفكر الحزبي مجرد تحديث ذكي لفكر القبيلة التقليدي القائم على ثنائية دوغمائية لنظيمة الشيخ والمريد.

 كيف لا والساسة يوجهون الجمهور بالمتاجرة في الخِدمات العمومية التي تحولت من حقوق إلى امتيازات مُشرعِنة للزبونية الجوفاء على أنقاض تجويد الخدمة العمومية وصون قدسية المواطنة، سيما في قطاعات مؤلمة كالصحة مثالا لا حصرا. و لأن  » ماكس فيبر  » كان عميقا في زلزلة السياقات بمنظور سوسيولوجي عميق في تفكيك مفهوم البيروقراطية و الفردانية العملية كشروط لازم للتحديث الفكري، فإن معظم الساسة عندنا يتخصصون في شراء الذمم عبر الرشاوي المقدمة للنخب المحلية عبر الولائم ( الزرود = ضربو على حلقو إنسى لي خلقو ) و  » بونات المازوط  » ( رول معندو باكَاج ) و بعض  » التدويرات و لهمازي  » و توظيف لازمة  » قضي لغرض  » ! و الأنكى، أن تجد حتى النخب المشكلة للطبقة الوسطى تنبطح أمام نمطية شراء الذمم حيث منها من يقود معارك تحت الطلب و من يشيطن الخصوم بحروب تحت الحزام وفق تكتيكات القوادة الفكرية والسخرة الأيديولوجية.

 ويكفي أن تمنح الفُتات لأشباه المثقفين، و معهم أشباه الحقوقيين و أشباه الجمعويين من ضحايا الإعاقة الفكرية، حتى يغدقوا عليك بالمدح حماسا وحبا وتملقا وتزلفا وبحثا عن موطئ قدم بساحة التدافع المادي والرمزي عبر بوابة شهادة الزور . وأمام هول ما حصل من تخريب ممنهج للسياسة طيلة سنوات من التحريفية بأدوات الجهل المركب؛ أصبحت  للأسف، مهنة من لا مهنة له، لدرجة أن السياسي انتهازي مكشوف، حتى أن التبعية للشيخ السياسي وفق محددات الأنثروبولوجيا السياسية صاحب العطايا والهيبات والكرامات يشكل مصدرا للاغتناء وترميم البَكرة القيمية. ومن مكر التاريخ أن السياسة انتهت عندنا؛ إما عقيدة غير قابل للتشكيك، كما هو الشأن لدى كهنوت السياسة من ذوي النزعة الإرتكاسية من جماعات دينية متخصصة في تديين السياسة وتسييس الدين، رغم التسويق البراني للحداثة السياسية تكتيكا وتقيّةً، وإما سلوكا جمعيا يمتح من وحدة القبيلة والطوطم السوسيولوجي من خلال نسقية  » الفخذة  » و  » العْظم  » و  » الطْعام  » و  » الوالدين و الأجداد  » و اللون و كل أبعاد نسق الانقسامية الأنثروبولوجيا، وبالتالي نظيمة التضامن العضوي بمنطق انثروبولوجي انقسامي مشرعَن بسيادة نخب الماكياج الفكري والتنمق الترافعي و الإسهال اللفظي بمقاهي  » لحضية  » و  » تبركيك « .. و هذه سياجات باترياركية أو أوليغارشية أو قبلية أو عقائدية متجاوزة شكلا لكنها حقيقة الروح الأنثروبولوجيا الحية في الجسم السياسي المتهالك والمادة الرمادية المحركة لهواجس ضحايا الغيبوبة الفكرية في سوق السياسة الرخيصة. ومهما ظهرت بعض تجليات العصرنة والتحديث؛ عبر خطابات سياسية قومية أو ليبرالية أو يسارية أو دينية أو لائكية حتى، فإن كل ذلك يبق مجرد انزياحات واعية لإخفاء نسقية التقليد الحاصلة في جوهر الممارسة، كتحصيل حاصل فكرا ومنهجا بما يجعل المقاومة بالحيلة تكتيك لشرعنة الرجعية والإفلاس. وبهذا الشكل نصطدم مع ما يسميه السوسيولوجي  » جيمس سكوت  » ب  » المقاومة بالحيلة  » لضمان تواتر التقليد ضمن مساحات الحداثة البرانية. وأزعم هنا أن محمد سبيلا كان على صواب عندما أكد أن التقليد أكثر ذكاء من الحداثة لأنه يأخذ لبؤس الحداثة ليضمن الاستمرار لنفسه. وشخصيا  و عبر استنتاجات واقعية، أؤكد إن نمطية الفعل السياسي من بواعث الجمود الفكري الحاصل بالرغم من الحداثة البرانية المغشوشة المتوصل إليها عبر استيراد التحديث منذ سياق القرن التاسع عشر وذلك تحت وطأة ما تسميه الأدبيات السياسية و التاريخية ب  » صدمة الحداثة  » . إننا إذن، بشكل ما، أمام جمود في العمق و تحول في الشكل، وبذلك تعمقت عقدة العار الحاصلة ازاء حرية العقل في مساءلة مختلف  » الأرثوذوكسيات  » القائمة باسم الدين والدم والأساطير السياسية المؤسِّسة بما يفرمل كل فرص الانفلات من سياجات التخلف الموغلة في الرجعية. ومهما كانت بعض الأطراف جريئة في مساءلة التراث الديني من منطلق الدعم المعنوي الذي يقدمه الغرب الرأسمالي لكل نظرة نقدية للتراث، مسنودا بتأويلات استشراقية موجهة، إلا أنها من حيث تدري أو من حيث لا تدري، تقع أسيرة للتراث القبلي و العشائري، وعلى لبنات السّلالة و الدم والانتساب إلى الأجداد الوهميين ضمن مجاليات الدفع الانتخابي في لحظات الحروب الاقتراعية للحصول على صفة تمثيلية. ومن سوريالية المواقف ؛ أننا نصطدم بمن يقعد للفهم دينيا ، و هو اكثر جشعا و بخلفية رأسمالية متوحشة  وعلى نقيضه هناك من يقعِّد لفهم علماني شكلا، فتجده ارثودوكسيا حيال القبيلة والمجال و الدم . وأمام هوس هذه المفارقات  » الترنسندنتالية  » و الباطولوجيات المركبة أضحت الحاجة ملحة لنقد شامل ومزدوج ، وبر مسح سوسيو – انثروبولوجي مركب لإماطة اللثام عن عورتنا الجماعية عبر تعرية الفرد و نزع الحجاب عن الكذب المقدس.

 وأزعم أن المفهوم الذي جاء به  » الخطيبي  » في باب  » النقد المزدوج « ؛ يصلح أداة لخلخة الدوغمائيات و الوثوقيات وشتى الخلفيات الأرثوذكسية والباترياركية والطوطمية المسنودة بمختلف التأويلات النكوصية والقراءات الإرتكاسية التي تنتهي، من أسف، إلى سلوكات باطولوجية معدية لنبل الفعل السياسي. و لأن الحداثة هي سقف الانتظار للخروج من بوثقة الجهل المركب كتجلي للتخلف الضارب الأطناب في آليات اشتغال العقل الجمعي، فهي لن تكون في المتناول، من دون ثورة ثقافية ممتدة في الزمن و المكان، عبر نزع الحجاب عن الإزدواجيات الموبوءة التي تُحاجج بخطاب الحداثة شكلا و توطد عرى القبيلة و العشيرة و الأرض و الوهم الجمعي من خلال وحدة الجد الوهمي وبفهم أقرب إلى الفاشستية عمقا عند دعاة القبلية والعائلية والعشائرية واحتقار الفرد المنفلت عن سياجات الجماعة وشن الحروب عليها على أساس قمعية الظاهرة الاجتماعية كما أكد إميل دوركهايم ، حتى أن كل ما يقال عن الحداثة ليس سوى قولبة العقل الباطن المتأخر تاريخيا عبر عقل ظاهر منسجم مع مطالب اللحظة تكتيكا هنا وتقية هناك. ولأن الرّجات السياسية تشكل مدخلا للارتقاء بالبنيات الثقافية الجامدة، فإن حماية السياسة من الجهل المركب يشكل مدخلا لتكسير طابوهات الفكر التقليداني / الباطولوجي المُعدي، وأداة لتجاوز حالة الستاتيكو الثقافية لصالح معانقة سؤال الحداثة سلوكا وممارسة؛ كميكانزم مباشر للتنوير؛ ثم لتحقيق التنمية الشاملة و المنصفة من باب علم السياسة ونبل الممارسة التفاوضية؛ لا من مداخل التمويه الشكلاني الذي يتاجر في الوهم ويسوق للتفوق المرضي الزائف على حساب القدرة البرغماتية في عقلنة تدبير شؤون التراب وحلحلة مفارقات البوليس ( المدينة ) بعيدا عن باطولوجيات الدم وحروب البلطجة التي يتقنها القطيع وبيزنطيات التأويل الانقسامي للمشترك الإنساني كما تزكيه نخب الانتهازية الإنتخابوية في لحظات التنافس البراغماتي لصالح حسم أصوات الضحايا .

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *