أيتها المدينة المتعبة الجزء (2)

أيتها المدينة المتعبة الجزء (2)
شارك

بن احمد إقليم سطات

محمد فتاح

أيتها المدينة التي تغفو متكورة على نفسها، وتعيش معظم وقتها تائهة لتجلس في العتمة، مترقبة تنمية أبت أن تأتي.

أيتها المدينة المثخنة بالجراح، مع كل استحقاق انتخابي، وكأن سكانها مجرد أرقام انتخابية تتحكم في نسب المشاركة.

أيتها المدينة التي لا تشبه نفسها اليوم على ما كانت عليه قبل ثلاثة عقود خلت، لا الوجوه، ولا الكلمات، ولا الشوارع ولا الهواء. لا شيء  بقي كما هو، فقد نجح المنتخبون في تزييفها وطمس كل معالمها.

أيتها المدينة التي ظل التهميش يطبع فضاءاتها ودروبها وأزقتها، والتي تعثرت بها كل وصفات التنمية التي لم تكن سوى، وعودا كاذبة تتجدد مع كل استحقاق انتخابي.

أيتها  المدينة المفصومة التي ل اشيء فيها يبعث على الأمل، وكل ما فيها يندفع إلى الأقصى حزنا، والناس فيها تداوي جراحها في صمت مطبق. هكذا يمضي اليوم فيها، مثخنا بتفاصيل البحث عن غد أحسن، وعندما تغيب الشمس وتحل الظلمة، تتكور على وجعها وتنام.

أيتها المدينة التي صارت اليوم بدون هوية تاريخية، تعيد لها مجدها وبريقها.

أيتها المدينة التي شهدت انطفاء الذين نحبهم، ونصر على أن  لا ننساهم رغم العزاءات الفاشلة، ورغم غوايات الدنيا.

أيتها المدينة التي كانت كل الحكايات تفر هاربة من زوايا البيوت، كلما هممت بأن أجوب شوارعها. كنت لا أفعل شيئا  غير السير في الشوارع ليلا، يستهويني الليل كثيرا، كنت أمشي  لوحدي حين أجد الوقت لذلك. كنت أجوب الشوارع وحدي.. تحت المصابيح وحدي.. أتصبب بالحزن بين قميصي وجلدي.. قطرة قطرة. واجهات الأمس، ساحات الأمس، لم تتغير. الشوارع هي هي، كما كانت بالامس،  كل شيء باق على حاله.

في السماء تنحني الاعمدة، تبحث عما يستحق الاضاءة، لكن الشوارع مكتظة بالفراغ إلا من القطط والكلاب والازبال. لا يحتاج الإنسان إلى شوارع نظيفة ليكون محترما، ولكن الشوارع تحتاج إلى أناس  محترمين لتكون نظيفة.

أيتها  المدينة المملوءة بالأزقة والدروب التي تؤدي الى جميع الجهات، لكن حياتي مغلقة، والدرب الوحيد العادل، ذلك الذي يأخذني إلى قلب مريم، التي كنت أبحث عنها في الأزقة والدروب، وأنا  أعرف  أنني لن أجدها، وأبحث  عنها بين الوجوه، ويدهشني لماذا أحب وجهها من بين مئة ألف وجه. وكثيرا ماكنت أتساءل لماذا هي بالذات؟ من وقت لآخر، كنت أشعر أنه لابد للقلب من أن ينفجر، لابد للقلب من أن يركض في الأزقة والدروب عاريا من كل شيئ  إلا من جرحه.

أواكب السير، وأعرج على درب الكرة الذي كنت أقطنه، هذا الدرب الذي كان يحاول دائما أن يغير وضعه وواقعه، ولكن الزمن كان يسير عكس ما يريد، وكانت إرادته القوية سر نجاحه اليوم.

في هذا الحي، تعلمت معنى الحياة، وفتحت عيني على حقيقة قد تخفى علينا نحن اللاهثون أحيانا  وراء قشور الحياة : الصمود.

في هذا الحي، غالبا ماكنت ألتقي  أحمد الوطني بجلبابه المثقوب تارة والمرقع تارة أخرى، يطوف الأزقة والدروب مذعورا، باحثا عن ملاذ، وخلفه يركض موكب من الأطفال يهتفون :الوطني ..ويرددون معه لازمته الشهيرة : »ليبر أحمد الوطني ».

أيتها المدينة التي انتهت معها أسطورتي، حلت علي لعنة الغجر منذ تلك الليلة الدامعة، ليلة رحيلي، كنت احبس دمعة سرية، أحاول كثيرا أن  اقمعها ،ولكنها تستطيع أن  تقمعني الآن  كما في الكثير من الأحيان.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *