كيف اخترقت المناعة السياسة والأخلاقية في حزب التقدم والاشتراكية (شهادة للتاريخ )

كيف اخترقت المناعة السياسة والأخلاقية في حزب التقدم والاشتراكية (شهادة للتاريخ )
شارك

فؤاد الجعيدي

توطئة من باب للضرورة أحكام:

(هذا نقاش سياسي وفكري ساهمت به من موقعي ككاتب أول للفرع الإقليمي لحزب التقدم والاشتراكية بسطات، بعيد المؤتمر الوطني الخامس للحزب، ما حدث بالأمس يجد له امتدادات اليوم في وسط رفاق للأسف تخلوا عن التزام جماعي، كان بيننا واستطابوا أماكنهم بالمكتب السياسي وصاروا اليوم يساهمون ويساعدون بشكل أو بآخر نبيل بنعبد الله للإجهاز على الحزب ونبذ ومعاداة القناعات الديمقرطية.

للتاريخ كان في فترة من الفترات نبيل بنعبد الله يبحث على وجهة أخرى وشاءت الظروف أن يصل لهرم الحزب وهو الذي جاء من جبة من سبقه كما جاء إلى الشبيبة محمولا من فرنسا في خرقة بيضاء.)

مع الأسف، بعض الرفاق منذ التحاقهم بالحزب، أواخر السبعينيات لم يستوعبوا بعد أسس التحليل، وهي مسألة جوهرية في حزب التقدم والاشتراكية، انطلاقا من جذور منظومته الفكرية الفلسفية ورؤيته السياسية.

وبذلك نراهم اليوم، ينزلقون نحو السرد الخبري والتجزيئي، يذكرون ما يشاؤون ويغضون الطرف عما يشاؤون، وصولا إلى أحكام قيمة ليس إلا، وتظل القضايا الأساسية ملغاة من أي معالجة بناءة.

ومثل هذا النهج اعتمده أحد الرفاق ( لا داعي لذكر اسمه اليوم ) في مقاله الصادر يوم بالعدد 35 من جريدة (مغرب اليوم)، حيث ذهب في تحامل بين وواضح على الأمين العام للحزب(علي يعته)، والذي تم انتخابه بالاجماع من طرف المؤتمر الوطني الخامس، داعيا إياه في خلاصته : لمغادرة منصب الأمانة العامة، والسماح للحزب بالإصلاحات السياسية.

فإن كان هناك وضوح ضد علي يعته، يوازيه بالمقابل التعتيم وغموض مقصود، حين يتعلق الأمر بآخرين والشاهد على ذلك ، حين يقول كاتب المقال ( مورس علينا التشويش) لماذا بنى الصيغة للمجهول والأمر معروف وهو أول العارفين؟ وأيضا نفس المقصدية، واردة حول ( محاولة  إبعاد الرفيق ليفي شمعون ) باستخدام صيغة المجهول لعدم ذكر المسؤول عما وقع في لجنة الترشيحات، حيث أن ما كان مقصودا هو إقصاء مجموعة من الرفاق من أعضاء اللجنة المركزية، وألصقت بجميعهم صفات ( العنصرية والزندقة ). لماذا لم يذكر مثل هاته الأخبار وظل الأمر مقتصرا على ما يخدم الخلاصة إياها؟

وحين يقول : (منع ليفي شمعون من أخذ الكلمة)، لماذا لم يذكر من منعه؟ بطبيعة الحال لا يذكر صاحبنا كل ذلك لحاجة في نفس يعقوب، والظاهر أن الأخبار إياها، أمليت عليه، بدليل معلومات تكون قد وصلته ممن اجتهد في عدم ذكر اسمه. كالمعلومة التي تفيد كون استمرار علي يعته في الأمانة العامة للحزب، هو بطلب من الأستاذ امحمد بوستة. هذا الخبر لم يصل إلى القواعد التي ننتمي إليها، اللهم إلا إذا وجدت قواعد من نوع خاص، وتلك مطبة أخرى.

ومثل هذا المنزلق، دفع بكاتب المقال للقول أن ( السواد الأعظم من الشعب المغربي، يعرف أن حزبي حزب التقدم والاشتراكية، يمر من ظروف صعبة ويعرف مشاكل خطيرة)، وإن استعرضنا نسب الأمية المتفشية في مجتمعنا، يتضح أن الأمر لم يرق بتاتا للتصور العقلاني والدراية السياسية.

غير أن التناول الانتقائي والإخباري التجزيئي، تستوطنه خلفية محددة، تقصي ما هو أساسي من معادلة الخلاف، للانشغال بقضايا هامشية وغريبة عن تراث الحزب، وهو ما يفرض طرح السؤال، حول طبيعة الصراع ومن له مصلحة في إثارته وتأجيجه وتغذيته في هذا الوقت بالذات ؟ وبأساليب التداول الخبري ، مع العلم أن المهم ليس هو الخبر، والبحث في بنياته العميقة  والترابطات التي تحكم عناصره، للوصول إلى خلاصات تنير وتضيء وتفيد.

لنكن واضحين، أن الحزب عرف محاولات (التدجين) ساهمت فيها أطراف عن وعي أو دون وعي لكن الطرف الأساسي، هو الذي كان ساعتها يتحكم في التنظيم، حيث تجلت أهدافه قبل المؤتمر من خلال البحث عن العناصر لتنفيذ مخططه، هذا المخطط الذي بدا جليا في شكل تنظيم المؤتمر الوطني الخامس، وصولا إلى لجنة الترشيحات التي هيمن فيها قيادي تحكمه عقلية لا ديمقراطية، عبر عنها بالقسم للوقوف في وجه رفاق درب النضال، وهي نفس النزعة التي لم يرقها النقاش الذي دار بكل حرية داخل الحزب حول مشرع أطروحة المؤتمر الخامس، حيث أبدى الرفاق المتشبعون بثقافة الاختلاف والتبصر إلى إغناء هذا المشروع بالجرأة السياسية المسؤولة على صفحات جريدتي البيان وبيان اليوم، وداخل تنظيمات الحزب دون تحفظ ولا دغمائية، وامتد نفس النقاش واستمر أثناء المؤتمر.

وما يجب الاعتراف به اليوم، أن المؤتمر الوطني الخامس، كان بالفعل وقفة تاريخية هامة، لا تحن للانغماس في أية نزعة ماضوية ولا حلول جاهزة، بل جاءت للبحث في آليات العصرنة والتجديد والانفتاح، لبلورة توجهات ايجابية تتفهم وتتجاوب والقضايا الأساسية، للمجتمع المدني والمحيط الدولي بكل متغيراته، في ظروف يتوق فيها المجتمع المغربي برمته، للديمقراطية والشفافية وللاستقامة في السلوك السياسي، ممارسة ونبذ الانتهازية والانحرافية.

ومثل هذه الحقيقة، دافع عنها مناضلون من طينة الذين لم يصابوا، بفقدان المناعة السياسية ولم ينساقوا وراء صناعة وتلفيق الخبر الوهمي والعنصري، وإن كانت النية تهدف إلى إقصائهم  من التنظيم الوطني للحزب، وهم الذين يجتهدون الآن في الحفاظ على وحدة الحزب، على أساس ترسيخ أصول الممارسة الديمقراطية، والوقوف في وجه الإرادة الهادفة إلى إفراغ العمل السياسي، داخل الحزب من كل المبادئ الأساسية التي تؤطر عمله وعلاقات الود الرفاقي بين مناضليه، لتمكين بلادنا من حزب تقدمي ديمقراطي عصري، فاعل ومتفاعل مع محيطه إلى جانب حلفائه التقدميين، من أجل صياغة مشروع مجتمعي بديل للنهوض بأوضاع البلاد وكسب رهانات المستقبل.

بيد أن حكاية (عمرو وزيد وحدثنا فلان وقيل) هي أصول النهج الذي يخدم موضوعيا خصوم الديمقراطية، ومصالح القوى المناهضة للتقدم وتخصب أيضا روح الانحراف واليأس والعزوف عن المشاركة والانخراط في صلب المعارك السياسية لدى جماهير شعبنا..

إن مقررات المؤتمر الوطني الخامس وتوجهاته العامة، تمت المصادقة عليها ولا خلاف حولها، وهي الأساس الذي لم يترجم بعد في الواقع الحي والملموس، لمواجهة المعضلات الحقيقية لسوء النمو، والانشغالات اليومية للمواطن في الشغل والتعليم والصحة والسكن، وصيانة كرامته في ظل مجتمع المؤسسات، القادرة بآلياتها المتجاوبة مع روح العصر، أن تفيد وتستفيد من مواردنا البشرية، وتؤهلها بما يفسح المجال، لنسيجنا الاقتصادي، من تثمين وتقوية بنياته والرفع من وثيرة نموه، لدخول مرحلة التنافس الحاد على الأسواق بين الدول..

ومثل هذه الانشغالات هي وحدها التي تهم الرجال والنساء، الشباب الأمي والمتعلم والمواطن المتحزب واللامنتمي، والعامل والمشغل .. والحزب أسس في الأصل كأداة للإسهام، في إيجاد الحلول لهذه القضايا وتطوير رؤية المجتمع على الدوام للآفاق المستقبلة ومشارف التقدم الاجتماعي.

لكن أن ترتبط حداثة الحزب وعصرنته وتتوقف على دعوة أمينه العام للتخلي عن المسؤولية التي أناطها به المؤتمر الوطني كأعلى سلطة تقريرية وبالإجماع، وأن تذهب بعض الأقلام لاجترار ذلك، فثمة شيء يثير الشفقة والدعوة إلى استخدام المادة الرمادية.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *