فيلم  » مستكة وريحان  » يتوج بجائزة ابن رشد في مهرجان أغورا للسينما والفلسفة بفاس

فيلم  » مستكة وريحان  » يتوج بجائزة ابن رشد في مهرجان أغورا للسينما والفلسفة بفاس
شارك

بقلم: ذ. المعانيد الشرقي

  حينما يتم اتخاذ السينما طريقا لفك العزلة الأنطولوجية، بالمعنى الفلسفي عن الإنسان ليخرج من غرابته وعزلته، يكون صناع الفن السابع على موعد مع الإبداع، بالصورة وتجلياتها لتلامس هموم الإنسان وقدره الذي يقوده عبر التقدم في السن، فيدخل عالم الشيخوخة التي تُعرف بسن اليأس وانتهاء صلاحية الإنسان عند العوام، لكن هذه الشيخوخة تزهر لما تقترن بالفلسفة والسينما حيث يبلغ الإبداع المدى، وتتجلى صورة الإنسان في تأمل الروح التي تريد أن تنتقل إلى عالم آخر، هنا تبدأ الميتافيزيقا، ومعها إرادة الابتهاج والنظر العقلي إلى عوالم لم تكن في سن الشباب مُتاحة للرؤيا العميقة، والتفكير بهواجس النفس وخلجاتها المرحة.

  هكذا تم تتويج فيلم المخرجة المصرية، دينا عبد السلام الذي أجاب عن إشكالات وجودية إنسانية من قبيل:

   كيف تتحول الشيخوخة إلى مرحلة سعادة بدلاً من مرحلة مأساة؟

بأي معنى تضحى الشيخوخة مرحلة سكون الروح وابتهاج وفرح؟ وهل استطاع فيلم المخرجة دينا عبد السلام أن يُبلغنا إلى تذوق الشيخوخة بمتعة روحية؟

    ما الذي يجعل الفيلم ممتعا؛ هل لأنه يتناول الشيخوخة  بشاعرية سينمائية؟ وهل تُعتبر الشيخوخة مرحلة السعادة التي ينبغي أن ننتظر من يقدم لنا التهنئة بوصولنا إليها كما قال أبيقور؟

    وأنت تتابع فيلم  » مسكتة وريحان  » يجعلك لا تغمض عيناك ولو لحظة واحدة، حيث تشعر بقلق وجودي، ومتعة روحية، ذلك أنه يقاوم الشيخوخة بالفرح، لقد عشنا خلاله لحظة حوار بين عجوز وعجوزة، ولكن بمتعة بصرية لا يمكن أن نتصورها لأننا كنا ننظر إلى الفيلم من الداخل؛ بمعنى أن رؤيتنا كانت سينمائية ماتعة، فالعلاقة بين مسكتة وريحان كانت من شرفة إلى أخرى ومن مكالمة هاتفية إلى أخرى، إلى درجة أننا كنا نمني النفس بأن لا ينتهي هذا الفيلم لأنه يجعل الحياة أبدية. وبتعبير نيتشه؛ لقد جسد الفيلم مرح الشيخوخة بشكل راقٍ منقطع النظير، لأنه يحول ألمها إلى إبداع، وهذا ما رامت إليه مخرجة الفيلم دينا عبد السلام..

   الشيخوخة، هي هذه المتعة التي ينتظرها الجميع، فهي ليست سِنا لليأس، بل هي لحظة لاكتمال الإرادة ونُضجها فكريا بالمعنى الميتافيزيقي، ولعل السينما قادرة وحدها على تصوير ذلك بدقة وأن الفلسفة هي الشاهد على أن هذا الفيلم قد نحج وبلغ درجة من الاختمار الإبداعي، بحيث دمج أفكار الفلسفة داخل الصورة المتحركة كما يتحرك الفكر في عوالم ومخيال الفيلسوف والمخرج السينمائي. هذا التلاقح، أعطى للسينما دورها الفعال في مُعالجة قضايا وجودية للإنسان وجعلته يخطو داخل عوالم السينما بالفلسفة ومعها.

  وهذا ما أكده الفيلسوف عزيز الحدادي حينما قال:  » إن السينما بمعية الفلسفة شفاء لداء الشيخوخة والخروج بها من حال العطل والعوز إلى حال المرح والرغد العقليين، حيث تتحرر الإرادة من الوجود العقيم والبائس وتلج عوالم الميتافيزيقا بفكر متحرر حداثي يفك شفرات العقم الروحي والبؤس المجتمعي على كثير من الواجهات سيرا على منهج أبيقور. » إن السينما وهي تدمج أفكار الفيلسوف في نسج خيوط أعمالها، تجعل من العمل السينمائي مُطرزا بألوان المفاهيم، وشبكة علاقاتها لمعالجة البؤس وفك رموز الحيرة، والخروج من التيهان والتفكير العقيم، إلى المرح والفسحة وتنفس الحياة بكثافة.

  وفي الختام، يتقدم رواد الفكر الفلسفي بالمغرب إلى تقديم التهاني وأسمى عبارات العرفان للمخرجة المصرية دينا عبد السلام على تتويج فيلمها  » مسكتة وريحان  » بتصنيفه من أحسن الأعمال المقدمة في مهرجان أغورا للسينما والفلسفة بفاس في دورته السادسة لسنة 2021

كما يتقدم مدير المهرجان المفكر عزيز الحدادي بالشكر والتقدير لكل من ساهم من قريب أو بعيد في إنجاح هذه الدورة التي نوهت بالمبدعين السينمائيين والمفكرين من داخل المغرب وخارجه.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *