أساس المسؤولية الجنائية في القانون المغربي وموانع المسؤولية ومانع العقاب (الجزء الرابع)

أساس المسؤولية الجنائية في القانون المغربي وموانع المسؤولية ومانع العقاب (الجزء الرابع)
شارك

المنظار/ توصلنا من الأستاذ توفيق مفيد بمبحث مطول حول (أساس المسؤولية الجنائية في القانون المغربي وموانع المسؤولية ومانع العقاب)

ونظرا لطول المادة وأهميتها سنعمل على إصدارها من خلال سلسة من الأجزاء

توفيق مفيد، باحث في العلوم القانونية.

 

الفقرة الاولى المقصود بأمر القانون

بالنسبة لتحديد المقصود بأمر القانون يلزم توضيح مسألتين هامتين

اولا انه لا يقصد بأمر القانون الحلة التي يوجب فيها المشرع في نص صريح فعل شيء أو الامتناع عن فعله فقط وانما يمتد ليشمل الحالة التي يجيز أو يبيح فيها اتيان الفعل أو الترك دون الزام بذلك فمثلا من شهد شخصا يسرق فقام بالقبض عليه وسلمه الى مركز الشرطة او للنيابة العامة فهذا الشخص العادي الذي قام بهذا العمل لا يعتبر ذلك واجبا عليه قانونا لأنه غير مكلف بإلقاء القبض على المجرمين وانما مرخص له بذلك فقط فان هو فعل فلا يكون معتديا على حرية احد لأنه امتثل للإكراه الضمني للقانون ما دام هذا القانون قد اجاز له القاء القبض على المجرم المتلبس بالجرم المشهود

ثانيا كما انه لا يقصد به تنفيذ الامر الذي يستفاد منه نص تشريعي صادر عن مجلس تشريعي مثلا وانما المقصود ان تفهم لفظة قانون بمعناه العام بحيث تشمل الامر المستفاد من القرارات الصادرة عن السلطات العمومية عموما فمثلا القرار الوزاري الذي يلزم الاطباء بالتبليغ او الاخبار عن كل حالة مرض معد تظهر لهم عند قيامهم بالكشف عن المرضى كحالة داء فقدان المناعة (السيدا او الايدز) فعندما يقوم الطبيب بالتبليغ عن حالة معدية اكتشفها اثناء فحصه لمريض فان فعله هذا يكون مأمورا بذلك قانونا ول ايحتج عليه في هذه الحالة بكونه قد خرق واجب الالتزام بالسر المهني

الفقرة الثانية شروط التبرير في حالة تنفيذ هذا الامر

بالرجوع الى نص الفصل 124 من القانون الجنائي نجده في الفقرة الاولى

قد برر الفعل المكون لجريمة من الجرائم اذا كان القانون هو الذي اوجب هذا الفعل وبان تكون السلطة الشرعية قد أمرت به ومقتضى هذا وبحسب صياغة الفقرة السابقة ان امر القانون وحده لا يكفي لقيام هذا السبب للتبرير الذي يتوقف على اجتماع شرطين أو عنصرين معا على الاقل ظاهريا –وهما امر القانون اولا وامر السلطة الشرعية ثانيا فان هما توافر معا انتهى الامر حيث يكون الفعل اذ ذاك مبررا بلا خلاف عملا بالنص السابق غير انه يطرح الاشكال عندما يتوافر احد العنصرين فقط دون الآخر كأ، يقوم أمر القانون دون أمر السلطة الشرعية أو اذنها او العكس ففي مثل هذه الحالات هل نكون أمام سبب تبرير أم لا؟ الواقع أنه على الرغم من ان ظاهر النص يتطلب لقيام التبرير في هذه الحالة اجتماع أمر القانون وأمر السلطة الشرعية معا فان الاكتفاء بأمر القانون وحده يكون احيانا كثيرة كافيا لتوافر التبرير دون أمر السلطة الشرعية أما العكس فيبدو بأنه غير صحيح.

المطلب الثاني حالة الضرورة والقوة القاهرة

نص المشرع الجنائي المغربي في الفصل 124 على حالة الضرورة والقوة القاهرة حين قال

« لا جناية ولأجنحه ولا مخالفة في الاحوال الآتية… حالة استحال عليه معها استحالة مادية اجتنابها وذلك لسبب خارجي لم يستطيع مقاومته ».

اولا حالة الضرورة

يقصد بحالة الضرورة تلك الواقعة التي يرتكب فيها الشخص فعلا يجرمه القانون الجنائي ادى بنفس الغير او ماله ويكون الفعل مضطرا الى ارتكاب هدا الفعل المجرم بقصد المحافظة على حياته او ماله فمن يسرق من اجل سد الرمق حتى لا يموت جوعا لا يموت جوعا لا يمكن ان يعامل على اساس انه سارق و كذلك الشخص الذي يتعرض لاعتداء فيضطر للدفاع عن ماله او شرفه فانه لا يعتبر مجرما واساس مبدأ تبرير الفعل المرتكب تحت تأثير حالة الضرورة تنازعه في الفقه عدة اراء فهناك من يرى ان الشخص الذي يرتكب الجريمة تحت وطأة الضرورة يكون واقعا تحت تأثير الاكراه المعنوي وآخر يذهب الى انه لا توجد اية فائدة في معاقبة شخص في هذه الحالة لانه غير مجرم اصلا حيث لاحاجة بالتالي الى اصلاحه بالعقاب وآخر يرى ان الاخذ بالضرورة يعلل على اساس دفع الضرر الاشد بالضرر الاخف على اعتبار ان المجتمع حين يتنازع حقان ليس من مصلحته عقاب من يحافظ على الحق الاهم او في الاقل المساوي للحق الذي وقعت التضحية به

أ _شروط تبرير الفعل المجرم

ب_ان يكون الخطر جسيما وحالا يهدد النفس او المال

يجب ان يكون الخطر جسيما وحالا يهدد النفس او المال ووجود الخطر ومدى جسامته امر (واقع) يرجع في شأنه الى القضاء الذي ينظر الدعوى ويأخذ بعين الاعتبار ظروف الجاني الجسيمة والنفسية الصحية والاجتماعية والثقافية

ويكون الخطر الجسيم حالا او قائما اذا كان محققا ووشيك الوقوع اما اذا كان قد اصبح متجاوزا ولم يعد يخشى منه أي خطر فلا مجال للتذرع بحالة الضرورة بعد ان زالت لارتكاب الجريمة وليعتبر الخطر الجسيم والحال من الاسباب المبررة فلابد من ان يهدد النفس او المال فالأمر سواء

ج_ان لا يكون الخطر مشروعا

فاذا كان التعرض للخطر مما يوجبه القانون على الشخص فلا يمكن والحالة هذه قبول ادعائه بانه تجنب الخطر لوجود في حالة ضرورة فالجندي الذي يفر من وجه العدو اثناء المعركة او يؤذي نفسه كأن يضرب رجله برصاصة حتى يدخل الى المستشفى ولا يواجه العدو فانه لا يقبل منه التذرع بحالة الضرورة في سبيل انقاذ حياته لان القانون يامره بمواجهة العدو بصلابة وتفان واخلاص ولو ادى الامر الى انهاء حياته

د_ان لا يكون فاعل الجريمة هو المتسبب في الخطر

اذا كان الفاعل هو المسبب في الخطر تكون حالة الضرورة منتتفيه تماما فمن يضرم النار في بيته لا يجوز له ان يرتكب جريمة بقصد المحافظة على نفسه او امواله اذا هو لم يستطع السيطرة على هذه النيران اما اذا كان الخطر لم ينشا عن خطأ مقصود من طرف الفاعل فان له ان يتذرع لحالة الضرورة للارتكاب الجريمة كمن تنفجر في بيته قنينة الغاز فيضطر للخروج عاريا بدون ملابس لا يعتبر مرتكبا لجريمة الاخلال العلني بالحياء لبيت الغير للاحتماء من النيران لا يعتبر منتهكا لحرمة هذا المنزل

ه_ ان تكون الجريمة هي الوسيلة او حيدة اتجنب الضرر الناجم عن الخطر

يجب الا يكون في امكان مدعى الضرورة اللجوء الى اية وسيلة اخرى تغني عن ارتكاب الجريمة ولم يتم اللجوء اليها ابتداء فانه يعتبر مرتكبا لجريمة غير مبررة كذا يلزم ان تكون الجريمة هي الوسيلة الوحيدة لتجنب الضرر الناجم عن الخطر الذي هدد الشخص حتى يكون ارتكاب الجريمة مبررا

و_ يلزم ان يكون ما وقع التضحية به عن طريق ارتكاب الجريمة دون ما استهدف المحافظة عليه من حيث القيمة او على الاقل يكون مساويا له والا ما قامت حالة الضرورة التي تبرر ارتكاب الجريمة ومثال ذلك من يضحي بحياة انسلن قصد انقاذ منزله من النيران حيث لا تتوفر هنا حالة الضرورة والربان الذي يرى ان المركب يوشك ان يغرق من الثقل فيرمي ببعض الاشخاص في البحر لا يعتبر في حالة ضرورة لأنه كان بإمكانه ان يلقي البضائع المشحونة في البحر من اجل انقاد السفينة ففي هذه الحالة يكون فعله مبررا اما في الحالة الاولى فلا يكون فعله مبررا

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *