الشوق والبوح والحرف..
د.سعيد ألعنزي تاشفين
الأمكنة واحدة لكن تخدشها دواعي الرحيل ، و الأرواح نفسها جريحة في كنف ذاتها وتبهرجها الأحجيات. الأحزان تتمدّد على بساط النّدى إلاّ من سفاسف الأمل تكتب ألقابها على الأسوار البالية. والعميقون يرتحلون تِباعا على لظى الحسراتِ الخائناتِ، والقلب وسابلة النّبض يغرسون دمعات لطيفة في جُحر الدم المُمزّق بين دروب التيه ذكرى الذين رحلوا على بيدر الليل عاطرون من هوس الشوق، وضلال الحنين تزورني خلسة خوفا من تبِعات الجفاء السخيف، ويترجّى مكابدة الغرقى من مغبّة الهروب نحو ذاكرتي الكئيبة ووحدها تٌشاركني نكهة الصمت على مقرٌبة من الضالين . و شذراتي بين نهود الليل تجيء مَشجب للغوايات القديمة من أخضرٍ بلون الغسق الولهان. وهذه تجاعيدٌ وحدتي على وتد الحرف ترتّبت آلاؤه البيناتِ مثل مواويل الشوق بين مُقلتي السديم، وهي هنا تفتّقت مثل زقزقة الصمت الأسيفة، ورحيلٌها والغيابٌ والتشظي ووحدتي وصمتي وهم لا يفقهون، تحدّرَت عن مدامع الصِّبا هنالك تحت غرابيب حّمر يأت بيناتٍ لقوم يحزنون .
الفراغ والصمت ورائحة الرّحيل والإغراب والأحشاء كلها تضيق بما رحٌبت بها البلدة بلا ذاكرةٍ إلا من خراب النبضِ، بلا حلمٍ يحلّق محض أمين، و بألف هزيمة عتيقة وألف انهيار وشيك يقضّ مضجع المسافات بين البرزخ والهٌنا والآن، ويفوح العبيرٌ أو يشدّ بعضه بعضا كأحزان الديار ووعد الراحلين صبابات الميقات المسافات انتباه البادية الحزينة، وبُهرج الحكايا ويُتم الوحل على صهوة الوادي لمسافات تُقلق الشمس القريبة غرق على يمِّ العيون النزيفات ويٌرتب الأنفاس على شجن الأزمنة والأمكنة والنبضات وصلاة الأوابين. وبين الوادي المترنح والليل الصّامت تشيخ الفضائل بدروب بلدة الله، والعاشقون بها يتنفّسون انكسارات على مقربة بيت الحكمة القابعة أطلالُها بما بقي من » تانصرييت » ..
فيا ضحوة الأتاي وظلال الأسوار المكتئبة، ويا مطري. ويا أيها الراحلون إلى برزخ الخلوة. هنا تركتم بلدة الله لا تغني أغنيات الشمس لحنا من بهاء، والبلدة غرقت رهن فيض النهارات والأسئله على شرف الضياع بحضرة الحكماء الذين لا ينطقون بعدما ظل الضجيج مهنة البرّاحين بالطرقات بلا أحجيات ..
انتظرني في ضفة الترعة الأخرى يا بلدة الله لعلّنا نتنفس الذاكرة في انتعالنا للماضي الجميل الذي يمزقنا إربا إربا، وهذه الأقتيات خاتمة للكامنين على السراط المستقيم بمحاذاة باب القصر الطيني القديم، وعيوننا ارتوت منها نخيلنا وقمحت الرؤى بكلالة من صمت ..
أيها الراحلون في اغترابنا لقد تبدل كثيرا بهو الدرب الكبير ومكانه شاغر في النشيد تحت ظلال الأكورا التي كانت تأوي زمرة الكبار بحضن » تامردولت « ، ورحيلهم ( ن ) النزيف من دمع ودم وذاكرة تتشظى، ولم يظل معها سوى ما لم تغسله أمطار المواسم من حزننا، ومعا أنا والشوق ننام على خصر الساقية الكبرى المتفجرة عشقا ثم نستفيق على آذان الفجر الوديع لنصلي صلاة الغائبين؛ ثم نعانق الصمت من جديد و نتأمل في الضجيج بلا تعليق …
الصورة ( بعدسة الصديق عمر تضوت ) من دِلتا بلدة الله على شرف » النخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد » .. الشوق و البوح والحرف..