الأستاذة فريدة الخمليشي في نوازل اهتمام القضاء الوطني في تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني
المنظار:
مداخلة الأستاذة فريدة الخمليشي رئيسة اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني في الدورة التكوينية لفائدة القضاة في موضوع « دور القضاء الوطني في تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني ».
وأهم ما جاء فيها توضيح سياق تنظيمها في نشر القانون الدولي الإنساني في الأوساط القضائية.
معتبرة أن التكوين والتدريب في مجال القانون الإنساني، هو أحد أوجه نشره والتعريف به، الذي يشكل التزاما دوليا لبلادنا في إطار اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 وبروتوكوليها الملحقين لسنة 1977، فضلا عن كونه التزاما دستوريا ينبثق عن ديباجة دستور المملكة، التي تشكل جزءا لا يتجزأ من الدستور، والتي تم فيها التأكيد على سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على القانون الداخلي، وعلى التزام المملكة بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما.
وقد عملت اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني منذ إحداثها على إيلاء موضوع النشر والتكوين والتدريب أهمية خاصة، إذ نظمت لحد الآن العديد من الندوات والدورات التكوينية والموائد المستديرة لفائدة العديد من الفئات التي تلامس مهامها من قريب أو من بعيد مجال القانون الدولي الإنساني، إن في ميدان التعريف مثل نساء ورجال الإعلام، أو في التشريع والمواءمة التشريعية، مثل السيدات والسادة أعضاء مجلسي البرلمان، أو في التطبيق مثل السيدات والسادة الموظفين حملة السلاح، والسيدات والسادة القضاة، والسيدات والسادة المحامين، والسيدات والسادة الدبلوماسيين.
ولا بأس من الإشارة إلى أنه علاوة على مهمة النشر والتعريف، فإن المرسوم المحدث والمنظم للجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني قد أناط بها مهام استشارية، قدمت في إطارها آراء استشارية حول استكمال الانخراط في منظومة القانون الدولي الإنساني، وحول المواءمة التشريعية، كان في مقدمتها الرأي الذي أعدته حول مقتضيات مشروع القانون الجنائي، المتعلقة بالأفعال المجرمة في القانون الدولي الإنساني، مثل جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
معالي رئيس النيابة العامة؛
حضرات السيدات والسادة؛
لقد حرصنا في اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني أن تكون هذه الندوة، التي اختير لها موضوع: « دور القضاء في تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني »، فرصة لاطلاع السيدات والسادة القضاة الأجلاء على العناصر المكونة لجرائم الحرب، ومفهوم التطبيق القضائي للقانون الدولي الإنساني على الصعيد الوطني، وموقف المشرع المغربي من العقاب على جرائم الحرب، والاطلاع أيضا على القضاء الجنائي الدولي والتنازع بينه وبين القضاء الوطني في العقاب على تلك الجرائم.
وستكونون متفقين معي على أهمية هذه المواضيع بالنسبة للتكوين القضائي، خصوصا ما يتعلق بأركان الجرائم السالفة الذكر، وموقع القضاء الوطني من العقاب عليها في ظل وجود المحكمة الجنائية الدولية، التي كانت أول جهة قضائية جنائية دولية أنشئت بموجب اتفاقية دولية أناطت بها مهمة محاكمة الأفعال المجرمة في القانون الدولي الإنساني والعقاب عليها وفقا لشروط حددتها الاتفاقية.
كما حرصنا في اللجنة الوطنية على أن ننتقي لتقديم العروض المؤطرة للندوة أساتذة وخبراء لهم ما يكفي من الاقتدار والإحاطة بالمواضيع التي يتضمنها برنامج الندوة.
ونحن في حضرة قضاة مقتدرين، لا أقول بأن الأمر يتعلق بندوة للتكوين، بل بلقاء لتبادل الرأي وتلاقح الأفكار حول مواضيع ذات أهمية بالنسبة للجنة لصلتها بالقانون الدولي الإنساني، كما بالنسبة للسيدات والسادة القضاة لارتباطها بالمجال القضائي وبقضايا قد يستدعى القاضي المغربي للبت فيها في إطار دولي أو في إطار وطني.
كما أنها ذات علاقة بالسيادة الوطنية للسلطات القضائية في مواجهة القضاء الجنائي الدولي، نظرا لكون الإعداد التشريعي والبشري للقضاء الوطني للبت في مثل تلك القضايا، يعتبر سدا منيعا يحول دون انعقاد اختصاص محاكمتها والبت فيها للقضاء الجنائي الدولي، ويحول دون تسرب التدخل الأجنبي بدعوى حماية مبادئ القانون الدولي الإنساني المفقودة في التشريع الداخلي، وعدم قدرة القضاء الوطني على محاكمة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.
وإذا كان أول شرط لسحب اختصاص النظر في تلك الجرائم وعقده للقاضي الوطني هو تحقيق الملاءمة بين القانون الجنائي الوطني وقواعد القانون الدولي الإنساني، فإن الشرط الثاني هو بناء قدرات القضاء الداخلي وجعله قادرا على مباشرة العقاب على تلك الأفعال المجرمة.
معالي رئيس النيابة العامة؛
حضرات السيدات والسادة؛
في ختام هذه الكلمة، يطيب لي أن أجدد شكري وعرفاني لمعالي السيد رئيس النيابة العامة على تجاوبه التلقائي لعقد هذه الندوة. كما يطيب لي أن أشكر السادة الأساتذة المؤطرين على وقتهم الثمين الذي خصصوه لنا، والسيدات والسادة القضاة الذين تفضلوا بحضور أشغال الندوة والمشاركة فيها.
ولا يفوتني أن أشد على يد جميع جنود الخفاء الذين ساهموا من قريب أو من بعيد في الإعداد للندوة وفي تنظيمها العملي.