الاعلام وحقوق الانسان على مائدة النقاش
نظمت الجريدة الالكترونية أنباء 24 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وذلك بتاريخ 01 يونيو 2021، ندوة عن بعد تحت عنوان: « الإعلام وحقوق الإنسان »، وذلك بشراكة مع المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان، والفيدرالية المغربية لحقوق الإنسان، وقد شارك في تأطير هذه الندوة المنعقدة عبر تقنية التناظر المرئي عدد من الشخصيات الوازنة في مجال الإعلام وحقوق الإنسان، على رأسهم السيدة خديجة الرياضي الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والسيد عبد العالي الطاهري وهو صحافي وعضو بالمركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان، والسيد ميلود قنديل رئيس الفدرالية المغربية لحقوق الإنسان، والسيد عبد الهادي الناجي الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة والإعلام، والسيد عبد الوافي الحراق رئيس الكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الالكتروني، وقد سيّر مجريات هذه الندوة الأستاذ أيوب خيري.
هذه الندوة التي انطلقت فعالياتها ابتداء من الساعة 20:30 مساء، ونُقلت مجرياتها عبر البت المباشر على الصفحة الرسمية لجريدة الأنباء 24 بالفيسبوك، شهدت تفاعلا غنيا سواء من قبل السادة الأساتذة الذين أطّروا هذه الفعالية ببسط المعلومات وتحليل المعطيات، أو من طرف المشاهدين الذين طرحوا عددا من الأسئلة والإضافات التي ساهمت هي الأخرى في إغناء النقاش والتفصيل بشكل أكبر في ما تم التطرق له من مواضيع شتى.
في هذا الصدد تطرق السادة المتدخلون لعدد من المحاور التي طبعها التجانس فيما بينها، إذ تندرج كلها ضمن عنوان واحد يروم مقاربة سؤال الحرية في علاقته بالصحافة وكيف يمكن ضمان الحقوق التي يُفترض أن يتمتع بها الجسم الصحفي ككل. وقبل البدء بتفاصيل المداخلات التي أدلى بها السادة الأساتذة المتدخلين، ترحم الجميع على المرحوم خالد الجامعي الصحافي المتميز والمحلل السياسي الشجاع والمثقف العضوي الذي كان منخرطا بوعي في كافة المواضيع التي كانت تشغل بال النقاش العمومي.
في هذا السياق أكدت السيدة خديجة على أن الإعلام بحكم الأخلاقيات التي تحكم عمله تدفعه للعب دور مهم في تعزيز تيمة حقوق الإنسان، حيث أن الإعلام يلعب دورا مهما في ترسيخ القيم الديمقراطية والمبادئ الإنسانية المشتركة لاسيما وأنه يشتغل وفقا لمبدأ الموضوعية والتعددية ونبذ الرأي الواحد. وقد أشارت السيدة الرياضي إلى أنه على الرغم من كون الإعلام يلعب هذه الأدوار التي تشجع على الحرية، إلا أنه في بعض الأحيان يصير وسيلة للتضييق على الحرية الصحفية خاصة إذا كنا أمام نوع من الإعلام الذي لا يرعى مبدأ الاستقلالية وينساق وراء القوى الاستبدادية المعادية لروح العمل الصحفي المتمثل في الحرية. وقد أشارة السيدة خديجة على هذا المستوى إلى أنه من الواجب على الدولة والمؤسسات المعنية بالجسم الصحفي أن تضمن لهذا الأخير حقوقه وحرياته لكي يؤدي دوره المنوط به، أن لا تدعه وحيدا يواجه القمع والاستبداد والتضييق وغيرها من القيود التي يعرفها الصحفيون وباقي الفاعلين ضمن هذا النسق (إعلاميون، مراسلون، محررون…).
وتأكيدا لما أشارت له المداخلة الأولى، ترافع السيد العبد العالي الطاهيري عن حرية العمل الصحافي وفق مقاربة دستورية، تنطلق من الفصول المضمّنة في الوثيقة الدستورية والتي تصل حد 21 مقتضى، مرورا بتحليل العلاقة بين الصحافة والحرية في التعبير، ليصل في تقريره لحقيقة هذه العلاقة في أنها علاقة تكاملية، وعليه فإنه لا يمكن فصلهما عن بعض بل من الواجب العمل على ضمان تلازمهما معا. مضيفا في هذا السياق، أن الإعلام الكلاسيكي المهني المتميز بأخلاقيات المهنة بدأ يشهد مزاحمة من قبل إعلام آخر ذو طابع رقمي سمته الأساسية الانفلات من أي مبدأ أخلاقي أو مقتضى قانوني، ويمتاز بتكريسه للتفاهة والدناءة بحثا عن الشهرة السريعة على عكس الإعلام المهني الذي لا زال يحاول جاهدا الالتزام بما يفرضه الضمير المهني وأخلاقيات المهنة والقيم التي تكاد اليوم تندثر.
وقد واصل السيد ميلود قنديل ما بدأه زميله الطاهيري من تأطير للموضوع من منظور قانوني، غير أنه سار في منحى المقاربة الدولية المنظمة لهذه الإشكالية المرتبطة بالحرية التي يفرض أن الجسم الصحفي يتمتع بها، حيث أشار الأستاذ ميلود إلى أن المقتضيات القانونية المؤطرة لهذا المجال مثالية غير أن انعكاسها على واقع الممارسة الصحفية تكاد تبدو بعيدة عما تتيحه المقتضيات القانونية من حرية واجبة للعمل الصحفي. وقد أعطى السيد ميلود مجموعة من الأمثلة التي تظهر المفارقة بين القواعد القانونية والانتهاكات التي يتعرض لها بعض الصحفيين المهنيين كسليمان الريسوني وعمر الراضي وغيرهم من المهنيين الذي يتم الزج بهم في السجن لا لشيء إلا لأن لهم خطا تحريريا لا يروق لبعض الأطراف هنا أو هناك. على هذا الاعتبار دعا السيد ميلود القضاء المغربي إلى الالتزام بالاستقلالية وعدم السماح لأي فاعل بأن يوظفه في تصفية الحسابات مع الصحفيين المهنيين.
فيما يخص مداخلة السيد عبد الهادي الناجي فقد تمحورت حول رصد تمظهرات المشهد الصحفي، هذا الأخير الذي صار يعاني من مجموعة من المشاكل والإكراهات المتداخلة والمتقاطعة فيما بينها، خاصة أمام انتشار ما سماه بصحافة الإثارة. على هذا الأساس أوصى السيد الناجي بضرورة مواجهة هذه السلبيات التي تنخر الجسم الصحفي، وهذه المواجهة لا يمكن أن تتم إلا من خلال استعادة الوهج الذي كانت تمتاز به الصحافة، وهذا يظل رهينا بشرط الحرية، إذ بدونه لا يمكن الحديث عن الإبداع، الكتابة، معالجة القضايا، الجرأة في التعبير عن القضايا وغيرها من الأمور التي هي نتاج لحرية التعبير عن الرأي.
وهذا الرأي الذي خلص له السيد الناجي، هو المنطلق الأساسي الذي بدأت به مداخلة السيد عبد الوافي الحراق، وهو ما يؤكد التناسق والالتقائية التي طبعت المداخلات في رمتها، حيث تحدث السيد الحراق عن أن المقياس الحقيقي للديمقراطية في بلد معين هو مدى تمتع الصحافي بالحرية، وهو الأمر الذي يفسر لماذا تُعنى الدول دائما بوضع تشريعات تخص الحريات العامة والصحافة ضمن أول ما يتم تشريعه لبناء الدولة الديمقراطية. وبالتالي فإن المشهد الإعلامي يجب أن يشهد انفتاحا على جميع الفئات، التي تعبر وتمارس الصحافة وتعالج القضايا وتبدي بشأنها الآراء، وذلك في أفق خلق النقاش العام وتأطيره بما يتناسب والقيم الإنسانية المتفق عليها بين الجميع باعتبارها إرثا مشتركا. وقد أشار السيد الحراق لبعض الأمثلة التي تمثل لهذا الانفتاح الذي بدأ ينتشر في المشهد الإعلامي ويجب تثمينه وتعزيزه بكافة الوسائل، ولعل من أهم هذه الأمثلة الجرائد الالكترونية التي تمكن من إبداء الرأي وحق الرد الفوري والمتعدد، في إطار ما سماه الأستاذ الحراق بالصحافة الديمقراطية التي تفتح الباب أمام الجميع للتعبير والرد ضمانا للحياد والتعدية والاستقلالية والحرية.
وفي الختام فتح الأستاذ أيوب باب التفاعل بطرح الأسئلة والإضافات، وقد تفاعل معها السادة الأساتذة مؤكدين على أن الجسم الصحفي منوط به أساسا نشر ثقافة حقوق الإنسان، وهذا يتم من خلال الممارسة المسؤولة والملتزمة بالمهنية والأخلاقيات المتعارف عليها من جهة، والممارسة الحرَّة المنسجمة مع القناعات والمبادئ الإنسانية من جهة ثانية، والممارسة المتعالية التي تتسامى عن الرداءة والتفاهة الآخذة في الانتشار في المشهد الإعلامي اليوم من جهة أخرى..