نكهة الذاكرة ..

نكهة الذاكرة ..
شارك

د. سعيد ألعنزي تاشفين

   هو أنا مريدكم و برفقتي كثير من العياء يا حرّاس السماء في طريق الله، جئت إليكم على العهد القديم لا أجاريه إلا التوقيرَا ، مطيّتي هي هذا القلب المحبّ المثقل بالأنين، ونجمات صامتة بحسنها هنالك نادتني ، و فطنتكم وانسكاب بَوْحكم وأنا ذاته مَن سقطت منه وصيّة الأمس الجريح ، من صمَت بوحُه عن ندائكم، ومن أهدر العمر بلا فحوى، ومن ضيّع الأسماء وأهدر اليقين .

    جئتكم أيها الواقفون على قارعة العبور نحو سدرة المنتهى وتركت نفسي حافيا إلاّ من رجاء، يتيما من كل شيء إلاّ من رحمة خفق القلب، ووضأت مِن على جدار الغيم ، و كحّلت عيني بتلك الدروب التي تعلمون وهنا تسكن مؤلمة جدوة الأحشاء، ثم بعد تعب ونيّف قرعت بابكم فافتحوا يرحمكم الله ، فافتحوا .

    الأمكنة عندي واحدة برائحة الأمّ و التراب ، و الإحساس واحد لكن تخدشه الأسباب، وتلك الأرواح الغائبة الحاضرة بالضفة الأخرى تسكنني و لا تبهرجها الحجب ، و الأشياء باختلافها تتمدّد على بساط الإنتباه إلا كثيرَا، والدنيا تكتب أسماءها على ملامح الفطنة البالية ، والقاطنون بتخوم الروح يرتحلون أفواجا على لظى الحسرة ويغرسون دمعات سخيّة على بيدر الليل و الوسادة مؤرقة جدَّا ، ونزيف القوافي يحرّر شذرات في مغزى الغياب و يترجّى من مُكابدة الغرقى مظنة للسؤال بزوايا الحنين ، و حرفي مَشجب للغوايات القديمات .

    وهذه الأمكنة أصيلة من دون تنميق ؛ فلق فلق !! ، تذكّرني ببيتنا القديم المثخن بنكهة الدفء و الدمع ، و ترتّب أشواقها البيّنات أحجيات الرّحيل ، و تفتّقت لحالها عن مثل مدامع فلاّحات غرق زرعهن و ضاع حُلمهن و انقضى وجدهن ؛ غرق غرق !!

   الأمكنة بلا ذاكرة لا تعني لي شيئَا ؛ و الذاكرة قاسية و مؤلمة جدَّا و بلا أرواح تتجلّى محض خواء. بكل ألوان الطّيف هزيمة قديمة هذه المسافات بين الحضور الجميل والغياب المرير، ويا لها من دمعة صامتة تولد من جفون ما يفوح العبير أو يتنزى وعد الأمكنة على شرف الشّوق، أو وجعًا هي مثل صبابات الميقات، وتنسجُنا أنا والمسافات والنُّجيمات غسقُ غسقْ.

   المسافات بين الحضور و الغياب وشم على الدم و انتباه يثمر شجنًا و لسعة وجدِِ و لوعة تنفلت من خاطر التراب ها هنا ، و ألف غياب يحضرني و يبرق بهرجًا للحكايا و تذكرة أرهقتها المدامع الثكالى. و هذه المسافات تقطنني و تتحرش بالنبض، وانحناءُُ يرهقني على دروب القفار بلا انسراب كملامح المقابر و غرق العناق في يمّ العيون المبلّلة يرتّب الأنفاس على شجن المكان لأجل الرحيل وأنا أتوضأ من معين الغياب و أصلّي صلاة الأوّابين .

   وصفوة البوح ألف سلام على من قدّر قسوة الذاكرة وألقى عليّ وعليها السلام ومضى ..

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *