السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يتوجه بكلمة في موضوع: « الحماية الاجتماعية للمحامي – الواقع، الرهانات، والتحديات »
تحتضن مدينة فاس أيام 17 و18 يونيو 2022 لقاء حول موضوع : « الحماية الاجتماعية للمحامي – الواقع، الرهانات، والتحديات » والذي ساهم فيه السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمداخلة التي نعرض نصها كاملا:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الرسل أجمعين.
حضرات السيدات والسادة الفضليات و الأفاضل؛
تواصل مدينة فاس كتابة التاريخ المشرق لمهنة المحاماة. ويجتهد محاموها في ترشيحها لاحتضان أرفع الملتقيات المهنية الوطنية والدولية. وها هي هيأة المحامين بفاس تنظم اليوم هذا اللقاء بشراكة مع الاتحاد الدولي للمحامين، جرياً على عادتها في التعاون مع مؤسسات مهنية وطنية ودولية كبرى. وما زلت شخصياً أذكُر اللقاءَ الذي نظمَته الهيأة في أبريل 2018 بشراكة مع الاتحاد الدولي للمحامين، والذي يُذكرني به الدرع الثمين، الذي شرفني به رئيس الاتحاد، في هذه المدينة الساحرة بأثرها المعماري وتراثها الإنساني وتاريخها الحافل بالأمجاد.
ويسعدني اليوم أن أمثٍّل المجلس الأعلى للسلطة القضائية في افتتاح هذه الندوة الدولية المتميزة بحضورها من كبار المحامين والمحاميات ورجالات الدولة والقضاء والفعاليات المجتمعية والحقوقية الكبرى.
ويسرني كذلك أن أنوه بموضوع هذه الندوة المخصص للحماية الاجتماعية للمحامي. وأشكر المنظمين على اختياره وتخصيصه بهذه الندوة ذات البعد الدولي.
والشكر واجب لأصحاب الفضل، السيد نقيب وأعضاء هيأة المحامين بفاس، وإلى عضو الهيأة، الرئيس الشرفي للاتحاد الدولي، ولكافة المحاميات والمحامين بفاس، لأجل إتاحة الفرصة لي للمشاركة في هذه الندوة، وإعطاء الانطلاقة لحوار ذي راهنية قصوى وأهمية بالغة ليس فقط بالنسبة للمحامين، ولكن كذلك لمنظومة العدالة بكاملها. والتي يعتبر الاهتمام بالأوضاع الاجتماعية للمنتمين لها محطة أساسية في مخطط إصلاح العدالة. بالنظر لما يحققه من استقرار مادي ونفسي للممارسين، يؤثر إيجاباً على أدائهم المهني.
حضرات السيدات والسادة؛
إن اختيار موضوع الحماية الاجتماعية للمحامي كمحور لهذه الندوة، يأتي في ظرفية مناسبة تعمل فيها السلطات العمومية على تعميم الحماية الاجتماعية بالنسبة لكافة المواطنين، تنفيذاً للتوجيه الملكي السامي الذي أعلن عنه خطاب العرش لسنة 2020، حيث قال جلالة الملك: « نعتبر أن الوقت قد حان، لإطلاق عملية حازمة، لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة ». وهو التوجيه الذي أكد عليه جلالة الملك كذلك، في كلمته السامية لأعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية يوم 8 أكتوبر 2021، بالقول السامي أن: « الحكومة الجديدة مسؤولة على وضع الأولويات والمشاريع، خلال ولايتها، وتعبئة الوسائل الضرورية لتمويلها، في إطار تنزيل هذا النموذج. وهي مطالبة أيضاً، باستكمال المشاريع الكبرى، التي تم إطلاقها، وفي مقدمتها تعميم الحماية الاجتماعية، التي تحظى برعايتنا ».
وإذا كانت بلادنا جادة في تطبيق مقتضيات القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية رقم 09.21 الصادر بتاريخ 23 مارس 2021، الذي نصت ديباجته أن « تحقيق الحماية الاجتماعية يعتبر مدخلاً أساسياً لا محيد عنه للنهوض بالعنصر البشري باعتباره حلقة أساسية في التنمية » ، فإن الحماية الاجتماعية للمحامي ولمكونات العدالة الأخرى، تعتبر مدخلاً نحو نظام عدالة ناجح، يوفر للقائمين بشأنها الأمان والطمأنينة في معاشهم، ويمكنهم من مواجهة الأزمات الاجتماعية والصحية. كما أن الحماية الاجتماعية للمحامي ترتبط بكرامته، التي هي جزء من شرف المهنة. ولذلك فإن الحماية الاجتماعية للمحامي هي حماية لكرامة المهنة نفسها. مما يدعو إلى الاهتمام بتوفيرها ودعمها، والتفكير في تحسين شروطها وظروفها. ولئن كانت بعض هيئات المحامين قد أوجدت بمقتضى أنظمتها الداخلية أشكالاً متطورة للحماية الاجتماعية لأعضائها، معتمدة على مقتضيات المادة 91 من القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحامين. وأبرمت عقوداً للتأمين الصحي والتأمين على الوفاة والتقاعد مع شركات التأمين، ومع تعاضديات خاصة بالمنتمين لمهنة المحاماة. أو عبر تنظيمات مشابهة مثل الصندوق الاجتماعي للمحامين الذي أنشأته بعض الهيآت، والذي امتدت تغطيته إلى المسؤولية المهنية للمحامين، وإلى الأخطار التي يتعرضون لها، والتعويض عن التوقف عن العمل لسبب قاهر، وكذا للمساعدة في حالات استثنائية. فإن القانون رقم 99.15 المتعلق بنظام المعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين … الصادر في 5 دجنبر 2017 والقانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطاً خاصاً الصادر في 23 يونيو 2017، يوفران كذلك فرصة أخرى لتغطية اجتماعية تتعلق بالصحة والتقاعد للمحامين ولباقي الهيئات المهنية المنظمة.
ولا شك أن هذه الندوة ستسلط الضوء على مضامين جميع هذه القوانين وغيرها من النصوص التي يمكن للمحامين الاستفادة منها في مجال الحماية الاجتماعية. كما ستتطرق لبعض التجارب الناجحة لبعض هيئات المحامين بالمغرب أو بدول أخرى ينضوي محاموها تحت لواء الاتحاد الدولي للمحامين الذي يشارك هيأة فاس في تنظيم هذه الندوة.
وأرجو أن تسهم الدراسات المقدمة، والتوصيات التي ستصدر عن هذه الندوة في تحسين التغطية الاجتماعية للمحامين بما يساعدهم على التفرغ لأداء مهمتهم النبيلة. وإنه يتبين من الاطلاع على الورقة التقنية للندوة المحدِّدَة لسياق انعقادها ومرجعياتها القانونية وإطارها المعياري، وأهدافها المتوخاة ومحاورها الغنية، أنها تشي بإحاطة شمولية بالموضوع، تسمح بالاطمئنان على مخرجاتها المرتقبة، التي ستكون حتماً مفيدة
في تنزيل الشعار الذي اختاره المنظمون لهذه الندوة :
« معا نستطيع : من أجل منظومة حماية اجتماعية مستدامة ».
أرجو لكم كل التوفيق وللمحامين والمحاماة حماية اجتماعية تحفظ كرامتهم وتكون في مستوى نبل مهنتهم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته