معرفة الأطلال من توابل الأقدام الحافية

معرفة الأطلال من توابل الأقدام الحافية
شارك

د. سعيد ألعنزي تاشفين

     أنا أعرفك أيتها القفار و الأطلال و الأقداح كما أعرف معنى الخراب ، و أعرف مواسم الجفاء التي تجيء حُبلى بالصّداع ، و أقتفي فيها أثر المطر و وقع الذاكرة التي تكتب على الأواصر اشتهاء ، و خفق اللّون الذي بأجنحة الصّمت ، و أعرف يقينا موسم الفيض و السيل و الغرق على سبيل المحجّة الكبرى عندما يحلّ الشّتات . أعرف نفر المعزين حينما تبكي الانهيار البيوتُ و حيث تنفض رِكاب الأمّهات ، و أعرف كيف يجتاح السّيل كل أحلام البسطاء ثم يغسلها من عنفوانها و يقذف بها في لجّة الضّياع السحيق . أعرفك يا هذه الأطلال و يا منزلنا القديم – الجديد و يا كلّ الدّيار العتيقات ، و أعرف دجنة الليل و بيادر الزّوال وولع المحبّين على ضفاف الشّوق و بركة المتّقين بمحراب الوصل ورِحلة الخلاص القريب برحيل من نحبهم . أعرف انتباهات الأمسيات وبوح المدى الذي في مروج الأسوار و حكمة الآباء و هم يتبادلون أطراف القول ببهو القصر القديم بحضرة  » تامردولت  » المزّينة بالزرابيالمبثوثان بالعطايا قبل أن يحلّ الزّيف اللّعين ، و أعرف كـرنفال الشتاء و مواقد النار في حضرة الغرقى حينما يتسلّل البرد من شقوق الدروب ، و أعرف ابتسامة الزّيتون الذي يبدو غسيلا من الهمّ حين أرمقه من بعيد بحقلنا السخيّ بقلب المزرعة المتهالكة حنينًا . أعرف انهمار حلم المستضعفين على جنبات وطن بمقربة من الأرصفة المتسخة بالمتسكّعين على خلادة المطر و حيث بنات الليل يتفقّدن حلول الجيّاع وحيث الجيّاع في انتظار لقمة ذل ، و حيث الحلم المتلصّص الذي يتنزّل بُهرجا وأحجيات تحت شفاه السجايا يتنزّل دمعات و ضحكة عاقر وصمتًا يداعب الغيم و زمجرة تتحرّش بنهود السحاب و أعرفه ، و أعرف مواويل الفراق و صخب الصّدى حين يرجع حزينا من كل شيء تحت سفح الجبل مؤنسا وحشة المقابر كلها و منهجا للأوفياء في جبّة الجحود حينما يتنكر الأهالي للحزن و يتأقلمون مع الغياب بالنكران ، و لجّة ها هنا تلامس خصر الرحيل ، و هذه الأطلال و القفار التي وأدها الراحلون بعد شطط النسيان تعلن مراسيم الوداع على شظايا المخلصين ؛ و لا تثريب هذه سجايا النّجوى في حضرة الله الذي أسكنهم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبين لهم كيف فعل .

   ونافلة البَوح؛ و لله الأمر من قبل و من بعد و أنا باخع نفسي و أعرف خِصلة النسيان عندما يأتي أسفَا من قوم تُبّع؛ والعاقبة للمتّقين .

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *