هيفاء المومياء
يونس وانعيمي
الزمن يغلب أشد الثائرين عليه، الذين يريدون إزاحته من عرشه. الزمن ينتمي لمنظومة تفوق قدرات الإنسان بكل علمه وأسلحته وجبروته.
الزمن يخاطب فينا الخير فيحترمنا، ويصدنا فورا لما نتحداه بالخلود أو بأكاذيب الديمومة والجمال. الزمن وقت نقضيه صغارا ليقضي علينا أخيرا ، ونعيشه حالمين ليقتلنا حيث لا يبقى غير العمل الصالح وليس الوجه الصادح.
هيفاء وهبي وهي تفتتح مؤخرا مشاركتها بمهرجان الرياض، صدمت المعجبين والمعجبات بتجاعيد في وجهها كما لو كانت « نفرتيتي » الخالدة غير المعنية بالكبر ولا بالشيخوخة والخرف.
كان الأمر سيبدو موضوعا تافها ..لكن موضوع تجاعيد هيفاء وهبي يكتنز قضية غاية في السرمدية.
عانت اليزابيث تايلور وصوفيا لورين وبريجيت باردو وغيرهن من جميلات الفن والسينما من ويلات قصة سيزيفية رهيبة: كيف للجميلة أن تبقى بهية بشكل مستمر ضد الزمن…استسلمن أخيرا بدعم سيكلوجي وطبي حيث لم ترحمهن محاكمات الاستطيقا والجمال التلفزي الزائف. واضطرت مارلين مونرو أن تسافر للهند توسلا في تلك الطاقة البوذية الإرواحية لتساعدها على التغلب على « وقع الزمن » وآثاره المميتة على حياتها كصورة « الدمية الجميلة ».
هيفاء وهبي
تركت أسرتها وابنتها الصغيرة واختارت المغامرة في كبسولات الاشهار وبعدها في كليبات الغنج والإغراء…. طبعا وقع لها ارتقاء وتطور في المقاربة لأنها ذكية وطموحة ولكنها لم تطور أمرا غاية في الأهمية: هيفاء وهبي المسنة، ذات الأرداف المرتهلة والتجاعيد الثائرة … وهي التجاعيد التي تفرض على الفنانات التعايش الفني معها والاستعداد الإبداعي لتحويل الشيخوخة لأيقونة فنية مبدعة.
لن تجد هيفاء وهبي في شركات المساحيق والماكياج وفي شركات الألبسة الداخلية وفي شركات الرقص والغنج أي توجيه للمستقبل. لأن الجمال البائع la beauté vendante لا نحب إعداده للحظات خفوته بل نستغفله لنستغله لأبعد حدود . وفي الأخير لماذا نريد من « روتانا » وغيرها من شركات تسويق الغنج الأنثوي أن تكون رحيمة بنسائها الجميلات لتحضر لهن مستقبلا فنيا وهن شائخات؟ ما يتم تحضيره سريعا هي نعوش منقوش عليها » جمال استنفذ زمانه ».
سيتم استعاضة هيفاء وهبي سريعا بنساء أخريات، مادامت الصناعة الفنية اليوم صناعة تايلورية متجبرة (نسبة لتكرارية سلسلة الإنتاج).
الفنان الأصيل ينتبه اولا واخيرا لعامل الزمن كعامل حاسم. الفنان الأصيل ينتبه لزيف الكليشيهات والصور النمطيات التي تحاول تحويله لصورة بلا مضمون. ليعلم الفنان أن المضمون الفني لا يموت، بل يتطور ويتحدى الزمن. أما شكلانية الفن وجمال الوجه وجمال الشعر فهي أمور تشبه اكل شكلاطه في مصعد … يتحرك صعودا ونزولا.