وجهة نظر في تبخيس الأحزاب السياسية
حميد المْعطَى
تطلق منذ أسابيع حمالات في وسائل التواصل الاجتماعي والمقاهي والنوادي الخاصة تدعو إلى إلغاء الأحزاب السياسية وحلها وتحميلها جميع الويلات والكوارث والمآسي التي تعاني منها البالد من جراء السياسات اللاشعبية في المجلات الاقتصادية والاجتماعية . وهذه الحملات اللامسؤولة يشارك فيها المواطنون من الطبقة المتوسطة وحتى من بعض المثقفين بوعي أو بدون وعي لايعرف مصدرها السياسي ولا خلفياتها الإيديولوجية ولا مرجعياتها الفكرية كما يجهل الهدف منها أو دوافعها الموضوعية والذاتية . ومن الضروري مواجهة هذه الحملات التي تستهدف الأحزاب الجادة وتبخس عملها لأن السكوت عن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى المجهول بل إلى الهاوية لأن البديل للقيام بتأطير وتمثيل المواطنين غير معلوم ومن ثمة انتشار الفوضى وعدم الاستقرار . نعم يمكن تفهم بعض الدواعي الشخصية لهذا التبخيس انطلاقا من الإحباط وعدم تحقيق الأهداف والبرامج الموعود بتحقيقها خلال الحملات الانتخابية مرورا بغياب الديمقراطية الداخلية وعدم استقلالية هذه الأحزاب وانتهاء بانغلاق الأحزاب على نفسها دون انفتاحها وتجديد جلدها بالخبرات والطاقات والكفاءات الواعدة. إن بعض المناقشات والمرافعات تنظر للعودة السياسية والمؤسساتية إلى الوراء، ولايخطر ببالها لا الدستور الجديد ولا المحددات الكونية المؤسسة للبناء الديموقراطي الحديث، ولا تهتم حتى بما قد ينجم من مخاطر، جراء التخلي عن مؤسسات الوساطة والتمثيل، أو إضعاف مرتكزات دولة القانون وفصل السلطات … إن التبخيس، يؤدي إلى العزوف السياسي وهو خطر كبير على الديمقراطية ويقود إلى فقدان الثقة في السياسة مع العلم أن لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية. وأن من يبخس عمل الأحزاب السياسية يقضي على طموح المواطنين مع العلم أن هذه الأحزاب تساهم في تأطير المواطنين والتأثير على الرأي العام وتقوية الروابط بين الحاكم والمحكومين وتحقيق الوحدة الوطنية . إن من يبخس عمل الأحزاب السياسية، يتناسى أنها تقوم بالرقابة على أعمال الحكومة وتجعلها المسؤولة أمام الشعب وتصوغ الاحتياجات والتحديات التي يعبر عنها أعضاؤها. إن من يبخس عمل الأحزاب السياسية ينسى أن تلك الأحزاب تساهم في تكوين وتثقيف المواطنين بواسطة برامجها الإشعاعية وأنشطتها الجماهيرية بالمحاضرات والندوات والمنتديات والمؤتمرات . إن من يبخس عمل الأحزاب السياسية يجهل أو يتجاهل بأن تلك الأحزاب تحول متطلبات واحتياجات المواطنين إلى سياسات عمومية وتعبئ المواطنين للمشاركة في القرارات. السياسية وتعتبر قنوات وساطة تنقل آراء المواطنين، إلى الدوائر الحكومية وتمكين الجماعات والأفراد من التعبير عن رغباتهم. ولا ننسى أن الأحزاب السياسية المغربية الوطنية والديموقراطية ساهمت في تحرير الوطن من ربقة الاستعمار بالفداء والمقاومة وجيش التحرير وضحت بالغالي والنفيس، من أجل حصول المغرب على الاستقلال كما ساهمت في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان كما ساهمت في مشاريع التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي وكل ذلك تم بتضحيات مناضليها بحياتهم، وحرياتهم ولا سيما في سنوات الجمر والرصاص .أن من يبخسون الأحزاب السياسية يتناسون ما قامت به من أدوار في بناء المغرب ومساهمتها في الانتقال الديمقراطي ولا يذكرون إلا مساوئ هذه الأحزاب ومثالبها ويحملونها كل الفساد التي تغرق فيه البلاد وينتقدون الحياة الداخلية ومناضليها ورموزها دون الانخراط فيها والتعرف على الإكراهات التي تلاقيها في القيام بأدوارها التأطيرية والتثقيفية والتكوينية والتعبوية والجماهيرية وهي إكراهات مالية ومادية ومعنوية تتطلب الكثير من سعة الصبر والتضحيات بالوقت والمال من أجل تحقيق أهدافه النبيلة. إن من يبخس الأحزاب السياسية ويطالب بحلها يريد أن يفتح البلاد على المجهول وعلى الفوضى وعلى الشمولية والديكتاتورية وعدم الاستقرار وكل ذلك ينال ويضرب في مقتل مكتسباتنا الديمقراطية من أجل تحقيق دولة الحق والقانون والمؤسسات .