سيرك: قرد بأكثر من مليون دولار
حكاية بقلم الدكتور بالقاسم امنزو
يبدو أن عالم الفرجة لا حدود له ولا قيمة للأموال فيه، ما دامت هذه الفرجة تلهي الجماهير سياسيا، وتجلب المستهلكين منهم لاقتناء منتوجات الشركات الراعية لهذه الظاهرة، من أجل خلق المزيد من الاستهلاك.
هكذا أصبحت بورصة الفرجة تسجل اليوم أرقاما خيالية فاقت كل التوقعات، حيث وصلت صفقة انتقال قرد من سيرك جوال إلى سِيرك آخر تابع لإحدى الشركات العابرة للقارات إلى ما يفوق مليون دولار في السنة، إضافة إلى مصاريف الإقامة والعناية الخاصة والفائقة، وكان المستفيد من الصفقة هو أحد مروضي القردة في الدوار.
عندما وصل الخبر إلى أهل القرية، سارع أغلبهم إلى اقتناء القردة من الأسواق المجاورة، وحتى البعيدة لترويضهم آملين في الحصول على صفقات مشابهة تمكنهم من دفن الفقر والهشاشة، والدخول مباشرة إلى نادي الملايير بدون معايير كما خيل لهم .
غادر الأطفال الدراسة، وترك الآباء والأمهات أنشطتهم الفلاحية والتجارية والاقتصادية، ليتفرغوا جميعا لترويض القردة وتربيتها، كي ترسو عليها الصفقات المربحة.
بعد مدة تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر أول صفقة خيالية في أحد الدواوير الذي أصبح بعد هذه الصفقة مشهورا يقصده السياح الأجانب، وارتفع ثمن القردة التي أصبح لها شأن كبير في جميع الدواوير، و ساهم نشاطها في خلق فرص العمل، حيث أصبح لكل قرد مروض، ومساعدون، وطاقم تقني، ووكيل أعمال، وفريق بيطري، وطباخون محترفون، وسائقون وحراس شخصيون وجمعيات المعجبين…
هكذا أصبح الحديث في كل مقاهي الدوار عن عالم القردة، وتقنيات الترويض والفرجة، وأخبار الانتقالات بالملايير من سيرك لآخر، حتى إن أحد الظرفاء قال: « إن القردة أصبحت في وضع أحسن بكثير من أبناء الدوار، وأصبح السذّج منهم يتهافتون لالتقاط صورة مع « نجمهم » المفضل.
عندما سمع أحد القردة الذي كان يتابع المشهد من أعلى الشجرة، رد قائلا: « سعادة القردة توجد في الطبيعة وفي حريتهم، ولن ينعموا بها ما داموا مقيدين بين أيدي المروضين والمضاربين مهما كانت رفاهية إقامتهم وعيشهم »، قبل أن يضيف بنبرة ساخرة: « يتم الآن ترويض القردة لإلهاء بني البشر وبعد ذلك سيأتي وقت يتم فيه ترويض البشر لخلق الفرجة للقردة ».
عندما فهم أهل الدوار معنى ومغزى تعقيب القرد « الحكيم » كانت تجارتهم قد غرقت في الكساد والفساد، وكان الأبناء قد غاصوا في ظلمات الجهل دونما تكوين ولا دراسة ولا حرفة، وصارت البيئة المجتمعية ملوثة، وأضحى الدوار يدور على حافة الهاوية.
يعني: « فات الفوت ».