كتاب” الدار البيضاء 1906 – 1939″ الميناء والتحولات السوسيو – اقتصادية.

المختار عنقا الادريسي.
دراسة تسلط الضوء على تاريخ علاقة الميناء بالدار البيضاء”
صدر للأستاذ علال بنور، وهو باحث في التاريخ المعاصر، كتاب “الدار البيضاء 1906 – 1939. الميناء والتحولات السوسيو _ اقتصادية” عن دار الثقافة بالدار البيضاء، واسهاما منا في التعريف بالكتاب، نورد تغطية أولية لهذا الإنتاج التاريخي، على أن تتبعه – لاحقا – قراءة متأنية.
# هندسة الكتاب:
غطى الكتاب 256 صفحة من الحجم المتوسط، افتتحها بكلمة شكر لكل من ساهم معه، توجيها ونصحا وتدقيقا واقتراحات، منطلقا من فكرة للمؤرخ الفرنسي Le Goff، المجدد لمدرسة الحوليات الفرنسية، والتي تقوم على:
[أن يقوم الخبر التاريخي الذي ينتجه المؤرخون المحترفون … بتصحيح التاريخ التقليدي المغلوط. إن التاريخ يضيء الذاكرة ويساعد على تصحيح أخطائها].
وبعد تقديم الأستاذ “نور الدين سعودي” ومقدمة الكتاب، تطالعنا فصوله كالتالي:
* الفصل الأول، وهو المعنون بالمرسى والمدينة (أواخر القرن 19م وبداية القرن 20 م) ، ويتكون من :
1/ الحركة الإمبريالية ووضعية المدينة والمرسى أواخر القرن 19م.
2/ الميناء والمدينة في بداية القرن 20 م
3/ أثر الميناء في تحولات الدار البيضاء مع بداية القرن 20 م. الفصل الثاني خصصه لمشروع وتهيئة الميناء، وتحته يندرج:
1/ من ازدهار المرسى إلى مراحل إنجاز المشروع
2 التجهيزات وبناء مرافق الميناء
* الفصل الثالث وتحدث فيه عن الحركة التجارية، من خلال :
1 الصادرات
2 الواردات
وأنهى الكتاب بخلاصة وملاحق وصور وضعية التحول من مرسى الى ميناء، وأخرى للمدينة القديمة، وصور للمدينة الأوربية ومرافقها. وقد غطت 27 صفحة من الكتاب. وأنهاه بالبيبلوغرافيا التي اعتمدها في إنجاز هذه الدراسة.
#إضاءات حول الكتاب:
الكتاب الذي بين أيدينا، هو دراسة شاملة تسلط الضوء على مرحلة مفصلية في تاريخ مدينة الدار البيضاء، تندرج ضمن التاريخ المحلي – الذي هو أحد أهم فروع الدراسات التاريخية – أو ما يعرف بالدراسات المونوغرافية التي تركز على سيرورة الأحداث في مكان وزمان محددين، وهو يتناول مدينة الدار البيضاء، مركزا على جوانب الميناء: التاريخ، السياق، التأثير، الخلفيات النظرية وغيرها. مستعرضا العلاقة الوثيقة بين تطور الميناء ومختلف التحولات العمرانية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها هذه المدينة ما بين 1906 و 1939، بناء على حدثين تاريخيين أساسيين، يتمثل أولهما في:
انعقاد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906
بعدما سار على عكس ما كان يطمح له مخزن السلطان عبد العزيز. وثانيهما وهو المحدد في انتهاء الأشغال الكبرى للميناء في 1939، تاريخ اندلاع الحرب الكونية الثانية. ويقول الاستاذ “نور الدين سعود” في تقديمه للكتاب أن المُؤَلِف قدم لنا [نبذة تاريخية غنية عن المدينة التي كانت في 14م تدعى أنفا ولها مرسى تُصدِّر منه الحبوب والمواشي والصوف أساسا إلى أوربا. ومع تراجع قوة المرينيين في القرن 15م، تأسست بها حسب الإخباريين، “جمهورية القراصنة” (…) ويستشهد ب
“الحسن الوزان” الذي قال عنها في مؤلفه الشهير “وصف افريقيا”، إنها تعتبر في تلك الفترة مدينة الحضارة وأرضها خصبة بخضارها وحبوبها. ولما احتلها البرتغاليون،
أعطوها اسم” كازا بلانكا”. وعند احتلالها من قبل الإسبانيين، حولوا اسمها إلى “كاسبلانكا”، ولما جاء السلطان محمد بن عبد الله العلوي، سماها رسميا “الدار البيضاء” ] .
وعموما يبقى الكتاب، دراسة بحثية تناولت موضوع الدار البيضاء، مركزة على جوانب التاريخ، السياق، التأثير، الخلفيات النظرية وغيرها … وفي هذا
الصدد يؤكد الاستاذ “بنور” على أن الحركة الامبريالية ربطت نجاحها في الهيمنة على الدول المتخلفة، بسيطرتها على الموانئ معتبرة أن المراسيم هي البوابات التجارية فعمدت تحويلها إلى موانئ تلعب محركا تجاريا وبوابة استعمارية لها، منطلقا من طرح 8 فرضيات رَصَّها في:
* أعطى ميناء الدار البيضاء لفرنسا وحلفائها الإمبرياليين أهمية اقتصادية وصناعة، مما أضعف باقي المدن المينائية المغربية الأخرى.
* رفض المجتمع الشاوي، قبائل وحضر، بناء الميناء باعتباره مدخلا للعدو.
* اعتبر الميناء مدخلا لاستعمار المغرب اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
* ساهم الميناء في بداية نهاية استقلال المغرب.
ان رغبة فرنسا لم تقف عند وظيفة الميناء، باعتباره [كأداة اقتصادية فحسب، بل سعت الى توسيع طموحها … من بناء الميناء إلى الانتقال للسيطرة على الحركة الملاحية في كل نقط العبور، على مستوى سواحل المحيط الأطلسي، ومن تم الهيمنة الاستعمارية على كل بلاد المغرب … فشكل بناء ميناء الدار البيضاء المدخل الرئيسي للاستعمار الفرنسي، بعد محاولات المغرب الشرقي] .
ويمكن للباحث المتأني ان يَخْلُصَ إلى أن ميناء الدار البيضاء – ذي النشأة الاستعمارية – لم يكن هدية فرنسية للمغرب والمغاربة، كما توهمنا بعض الأطروحات الاستعمارية، لأنه – في حقيقة الأمر – جاء كاحدى الدعامات التي ارتكزت عليها فرنسا في استعمار المغرب اقتصاديا وسياسيا.
وفي هذا الصدد يرى الاستاذ علال بنور أن الأشغال في الميناء قد جاءت متزامنة
[مع إنزال عسكري فرنسي بحجة الحد من تمردات سكان المدينة وهجومات قبائل الشاوية، حماية للقناصل وشركات البناء والتجار الأجانب مع وكلائهم … الشيء الذي بدأ يؤجج غضب السكان ومعهم قبائل الشاوية. وقد اعتمدت الحكومة الفرنسية أحداث 1907 ذريعة للاحتلال … فكان رد
فعل فرنسا، قصف المدينة] وأعْتُبِرَ ميناء الدار البيضاء بوابة مدخل ومخرج من وإلى المغرب، وعبره دخلت المؤسسات التجارية والمالية والتأمينية والصناعية والذهنية التي تحمل علاقات اجتماعية جديدة عن مجتمع مغربي تقليدي، وعن طريقه دخلت العمارة العصرية والمستشفى والمدرسة ووسائل الإعلام والصيدلة والفرجة المسرحية والسينمائية … ومن هنا – يرى المُؤَلِف – جاء التفاعل بين الميناء والمدينة ، والاسهام في تحويل الدار البيضاء إلى مدينة أوربية عملاقة . ويَخْلُص إلى القول بأن تطور ميناء الدار البيضاء جعل منها: [نموذجا لتلك المدن التابعة للمتروبول الأوربي، التي يقوم دورها بالأساس على الجمع واعادة التوزيع داخل مسلسل الحركة التجارية الأوربية]، زاعما أن تطور ميناء الدار البيضاء، كما تؤكد الصيرورة التاريخية [لم يساهم بتاتا في تطور بنيات الاقتصاد المحلي والوطني. وإنما كان أساسا نتيجة اختراق نمط الإنتاج الرأسمالي للمغرب] أما المخزن فلم يذهب [إلى تطوير هياكله الاقتصادية لمجاراة التحولات الأوربية، وهكذا بقيت هياكله الاقتصادية راكدة على نمطها].