تجليات…(ج1)
بن احمد إقليم سطات
المنظار/ محمد فتاح
(سيأتي يوم يطالب فيه الذباب بالحقوق)
أيتها المدينة، ابن احمد البائسة التي تضج الحياة فيها بما هو معتاد، من هرولة في الشوارع والأزقة خلف لقمة العيش.
أيتها المدينة المنكوبة، التي هدمت بهجتها المجالس المنتخبة المتعاقبة.
أيتها المدينة (العلوة)التي تنام على نباح الكلاب ومواء القطط، وتستيقظ على أكوام القمامة.(انظر قذارة الشوارع في قلبها، سيأتي يوم يطالب فيه الذباب بحقوق المواطن).
أيتها المدينة (مدينة التوت)التي أصبح التسول فيها نشاطا يوميا، وواقعا مرا يجب التأقلم معه إجباريا…
أيتها المدينة(قلعة النضال) التي انقلب هم الحياة فيها إلى غايات أسمى وأرقى غير التي نسعى نحن خلفها.
أيتها المدينة المتعددة الاسماء التي تهون فيها الأنفس والأموال أمام الدين والأرض والعرض.
أيتها المدينة مدينة( العرفان) التي أصبح المواطن فيها بلحظة، المهجر واللاجئ والنازح بالشوارع، والأحبة الذين كانوا يستظلون بهم أصبحوا اشلاء.
أيتها المدينة المهمشة التي فيها الصبية والأطفال لا يعرفون طعم اللعب والتدلل.
أيتها المدينة المبعدة عن ركب التنمية التي لم يعد هم الشاب فيها بناء بيت أو شقة للزوجية، والبحث عن شابة عروس ترضى معه بزهد العيش، فيهرب من مواجهة الحياة فيها، ويختار أن يعيش على الهامش، لأنه غير قادر على تحقيق حلمه.
أيتها المدينة التي لا يشعر ساكنوها أنهم ينتمون إليها، إلى جزء من اشجارها، من فوضاها العارمة، من أنفاسها في المساء، لأنها لا ترتب مواطن الحنين بداخلهم، ولا تنسج علاقة روحية بينهم وبينها، يكونون فيها في أسمى حالات التجلي والهيام.
أيتها المدينة التي تعيش على هامش الحياة، تنذب حظها ويتمها.
أيتها المدينة الخارجة عن الزمن، إلى متى ستبقين واقفة حيث أنت ،تعيشين على فتات الماضي.
أيتها المدينة التي أدخلت اليقين إلى ذاكرتي بأنني سأفقدها، وأعتقد أنني في هذه اللحظة أفقدها، ويا ليت أبوابها كلها تسد وبابا في فؤادها يفتح، يا ليتها في الرحيل الكبير تقفل كل أبوابها ودروبها وأزقتها وشوارعها، وكل الطرق المؤيدة اليها ،لا قلب لي في يديها ولا درب يحملني إليها في الرحيل الكبير لا تذكر أكثر.
أيتها المدينة التي حر الصيف فيها لا يعمل إلا على إيقاظ الجروح القديمة.
ايتها المدينة التي لا تخلو الحياة فيها من الملل.
أيتها المدينة التي تلملم جراحها بوجهها البائس.
أيتها المدينة التي تراودني فيها أحيانا ذكريات شبه جميلة ومؤلمة في ذات الوقت، التي كنت أحزن كثيرا من شدة ألمها، وأفرح نسبيا من فرحها، إنه لمن المؤسف حقا أن تحزن في المكان الذي فرحت فيه ولو نسبيا .
أيتها المدينة التي تضاعف همومي وأحزاني ويأسي، وقد اسقتني من الهم الكثير، واليأس ليس بالأمر اليسير.
أيتها المدينة التي تأتي إلي في النهاية من تلقاء نفسها، فلا يتعين علي سوى أن احتضنها مرحبا، وافسح لها المجال، فأنا ابنها، أنا منها.. من حواريها الحزينة. من شرايينها من بيوت فقرها. من قلب ثناياها الحصينة. أنا هوامشها التي ليس لها حدود. أنا التعليق المسهب على كتاب عنها لم يكتب. لست بأحد أنا، أنا بدونها لا أحد .
.